ظهيرة الجمعة، كان جلال خضر «كثير حكي» على غير عادته في اللقاء الأسبوعي للشلة في مقهى ركب، ووحده كان على تواصل مع صور فورية بواسطة جهازه، مع فلسطينيي الزبابدة وهم يحملون فرحين أعلام فلسطين في ساحة القديس بطرس.
له أسبابه العامة التي تشملنا، كشلة مثقفين فلسطينيين مسلمين ومسيحيين، وأسبابه الخاصة، لأن جلال المدير في مؤسسة «سوا» يغادرنا بعد اللقاء إلى قريته الزبابدة، قرب جنين.
هو يعرف الـ60 من أهل الزبابدة واحداً وواحدة، في هذه القرية التي سكانها (4000 نسمة) الفلسطينيين مسيحيين كاثوليك ومسلمين. نصف ـ نصف، كما في قرية عين عريك، قرب رام الله مثلاً.
لجلال سبب شخصي من أسبابه الخاصة للفرح باعتراف الفاتيكان بدولة فلسطين، وتطويب راهبتين فلسطينيتين في السنوية الـ67 للنكبة، فهو ابن عم غير لزم للشهيد نعيم خضر، ممثل م.ت.ف في بروكسل، الذي سقط برصاص «الموساد» في الفاتح من حزيران عام 1981.
من بين زهاء 6000 فلسطيني سافروا إلى روما احتفاءً بهذه المناسبة، فإن عُشرهم من قرية جلال.
واحد من الحضور تعمّد إضحاكنا بقوله: يبدو أن حاضرة الفاتيكان لا تريد أن تشاركها فلسطين في صفة دولة مراقبة في الجمعية العامة!
أنا تذكرت طرفة قالها جوزيف ستالين، لما أراد الفاتيكان الاشتراك في قمة يالطا الرباعية بعد هزيمة ألمانيا النازية: .. حسناً، ولكن كم فرقة عسكرية يملكها الفاتيكان؟
باستثناء حرس التشريفات السويسري لحاضرة الفاتيكان، فإن الفاتيكان مرجعية روحية لـ 2,2 مليار مسيحي، غالبيتهم على المذهب الكاثوليكي، يليهم الأرثوذكس ثم البروتستانت.
للكرسي الرسولي في الفاتيكان وزير خارجية، وهذا يعني أن له سياسة خارجية تقود الفاتيكان بخطوات محسوبة، وله سفراء بمرتبة القاصد الرسولي، ولديه سفراء أجانب، ومنهم سفير دولة فلسطين.
الاعتراف الكامل، الفعلي والرسمي، الفاتيكاني بدولة فلسطين، وتوقيع اتفاق معها، اليوم، سبقته خطوات مدروسة منذ العام 2000 بتوقيع إطار الاتفاق الأساسي، قبل أن تعترف السويد، رسمياً، بدولة فلسطين كأول دولة أوروبية غربية، وتلته اجتماعات مشتركة في رام الله عام 2004.
إسرائيل منزعجة من الاعتراف، وبخاصة من توقيته في السنوية الـ 67 للنكبة، فهو سيشجع دولاً ذات غالبية مسيحية كاثوليكية، وخاصة في أميركا الجنوبية والوسطى وبعض دول أفريقيا الوسطى، على الاعتراف بدولة فلسطين، بل ويعطي دفعة تشجيع لفرنسا العلمانية رسمياً، والكاثوليكية مذهبياً، لصياغة مشروعها إلى مجلس الأمن حول اعترافه بفلسطين دولة.. وهكذا تلتقي الأسباب السياسية والقانونية والأخلاقية في اعترافات عالمية بدولة فلسطين، التي لها علاقة طيبة بالكنيسة الأرثوذكسية.
خلال زيارته حاضرة الفاتيكان لشكرها على سياستها ضد العقوبات الأميركية، التي بدأت تُرفع، قال الرئيس الكوبي راؤول كاسترو مداعباً، إنه يفكر بالعودة إلى الكاثوليكية والصلاة في الكنيسة!
نعرف أن التصويت في الجمعية العامة حول قرار تقسيم فلسطين 1947 أحرز بغالبيته صوت واحد، وكان لدولة كاثوليكية في أميركا الوسطى، وأن مشروع قرار فلسطيني أمام مجلس الأمن حول دولة فلسطين لم يحرز الأصوات التسعة، لأن الأرجنتين خالفت وعدها في ربع الساعة الأخير، لكن، بعد الانتخابات أبدت السلطات الجديدة أسفها على ذلك.
من مفارقات التقاليد البروتوكولية لحاضرة الفاتيكان أن على زوار من النساء يقابلن البابا أن يعتمرن غطاء رأس.. لكن رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير خرقت هذا البروتوكول في العام 1946 لدى مقابلتها البابا، علماً أن إسرائيل تفرض على زوار متحف «يد واسم» أو «حائط المبكى» اعتمار «الكيبا» اليهودية.
رسمياً وشعبياً، سيكون اليوم «يوم فلسطين» في مقر الفاتيكان بحضور رئيس السلطة الفلسطينية بينما يملأ الفلسطينيون المسيحيون والمتضامنون مع فلسطين ساحة القديس بطرس رافعين أعلام فلسطين.
فلسطين هي الأرض المقدسة و»تيرّاسانطة»، وهي، أيضاً، بلاد التآخي الإسلامي ـ المسيحي وسط هذه الحَمَأة الدينية والمذهبية التي تضرب الدول المجاورة.
.. وللمؤرخين أن يقولوا إن معظم سكان فلسطين القدماء كانوا يهوداً، ثم صاروا مسيحيين، ثم صاروا مسلمين.. ولبعضهم أن يقول إن «السلام يبدأ من فلسطين».
علم دولة الفاتيكان من أصفر وأبيض، ويتوسط الأبيض مفتاحان.. وهما من حيث الشكل يشبهان مفتاحاً يحمله الفلسطينيون في سنويات النكبة، كما التقط ذلك كاريكاتير بهاء بخاري في «الأيام».