حسن البطل
سقط زياد أبو عين في مسافة ما بين أجمل القرى وأبشع مستوطنة.. وبينهما طريق رام الله ـ نابلس.
أو أبدأ الرثاء بالقول إن الوزير "قائد" هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أو أنه مات في غير أيام الجمع (يوم حقوق الإنسان)، التي كانت تقليداً أسبوعياً، انطلق من قرية بلعين، وصار يوم احتجاج ومقاومة شعبية على مدار أيام الأسبوع، وشهور السنوات منذ العام 2006.
لا أعرف المسافة الفاصلة بين أجمل القرى الفلسطينية ومستوطنة بشعة، يقال إن المقيمين فيها من أسوأ "أوباش" المستوطنين، وآخر أفعالهم ضد القرية الجميلة قطع جذوع عشرات من أشجار الزيتون، كما فعلوا، أيضاً، في حقول قرية سنجل.. وجاء الشهيد ليزرع الزيتون.
كيف يكون لقرية جميلة مدخل جميل، تظلله عشرات أشجار النخيل، وشارع متفرع عن الشارع العام، ومضاء بأعمدة الكهرباء، وحتى شارع مخطط كأنها مشروع مدينة صغيرة.
أهلها، المقيمون فيها أو في المهجر، يحبونها وأسخياء كرام عليها وعلى تجميلها ما جعلها مثار غيرة المستوطنين، الذين كانوا يزورونها.. ربما للتعلم كيف يكون العمران الفلسطيني جميلاً وصديقاً للبيئة.
إنها كسائر القرى الفلسطينية ذات فضاء مفتوح، دون أسوار (أو بأسوار الزيتون)، خلاف المستوطنات، التي تشبه القواعد العسكرية، إما في شكل البناء، أو في أسوارها وأبوابها الإلكترونية.
"القدوة تقود" والشهيد الجديد فدائي قديم وقائد في المقاومة الشعبية للجدار والاستيطان، وقائد ميداني فلسطيني ـ فتحاوي.
قصة القرية والمستوطنة من قصة الصراع على الأرض، ومن تفاصيل هذه القصة الطويلة العلاقة بين مفهوم "الأمن" الإسرائيلي، ومفهوم "المستوطنة"، كما تتجلى، أيضاً ومثلاً، في قصة مستوطنة "بيت إيل".
كانت "بيت إيل" معسكراً لجيش الانتداب البريطاني، ثم للجيش الأردني، وصارت مقراً للحكم الإسرائيلي للضفة، ثم مستوطنة إلى جانب المعسكر.
آخر فصول قصة "بيت إيل" والمستوطنة، أنها تمددت بعيداً خارج محيطها وأسوارها، وأقام مستوطنون منها "بؤرة أولبانه" غير الشرعية، والمقامة على أرض خاصة فلسطينية، أي ليست "أرض دولة" في المفاهيم الإسرائيلية لوراثة الأرض!
المحكمة العليا الإسرائيلية قررت إزالة "البؤرة" غير الشرعية، والحكومة الإسرائيلية توصّلت إلى أسلوب "التفافي" على الحكم. فكرت بنقل بيوت البؤرة إلى المستوطنة الأم عن طريق "نشر" بيوتها بكلفة عالية جداً، ثمّ نقلها.
كان في "البؤرة" حوالي 30 بيتاً، لكن "العقل الاحتلالي" وجد حلاً، بإقامة 300 بيت إضافي في مستوطنة "بيت إيل" للذين سوف يخلون من البؤرة، واستيعاب مستوطنين آخرين.
من أجل لعبة "طاق.. طاق طاقية" بين "الأمن" والاستيطان، سيتم نقل معسكر "بيت إيل" إلى مكان آخر، أي إلى أرض فلسطينية خاصة، وهذا جائز في العدالة الإسرائيلية، وغير جائز في قوانين القضاء الإسرائيلي!
أسلوب أمني إسرائيلي آخر في خدمة التوسع الاستيطاني، وهو إغلاق مناطق فلسطينية واسعة بحجة "منطقة عسكرية مغلقة" أو منطقة لتدريبات إطلاق النار.
مناطق إطلاق النار تبقى محظورة على الفلسطينيين، ولو زالت أسبابها، لكن ليست محظورة على الاستيطان اليهودي.
حسب قانون الأراضي العثماني، فإن كل أرض لا تجري فلاحتها 10 سنوات، تصبح من حقّ من يفلحها، ومن ثم فإن الجيش يمنع الفلسطينيين من فلاحتها، ولا يمنع المستوطنين عن ذلك!
مثلاً، في اليوم السابق لاستشهاد القائد الميداني زياد أبو عين، منع جيش الاحتلال والمستوطنون جمهوراً يقوده محافظ طوباس والأغوار الشمالية من فلاحة وحراثة منطقة مساحتها 10 آلاف دونم، بعدما كانت تعتبر مناطق أمنية مغلقة لعشرات السنوات، رغم إبراز الفلسطينيين وثائق رسمية لملكية أهل طوباس للأراضي.
بمزيج من ذرائع الأمن ودوافع تمدد وتوسيع الاستيطان وربط نقاطه بمناطق إطلاق نار ومناطق عسكرية مغلقة، تمكنت إسرائيل من رفع عدد المستوطنين في المنطقة (ج) إلى 400 ألف مستوطن، بينما تحول دون الفلسطينيين واستثمارها والسكن فيها وإعمارها، حيث وصل عددهم إلى 90 ألفاً فقط.
***
يمكن للمواطن أن يصير فدائياً ثم وزيراً، ويمكن للوزير أن يقود مقاومة شعبية للجدار والاستيطان، ويمكن للوزير والمواطن وقائد المقاومة أن يفقد حياته دفاعاً عن الأرض، وأن يبدأ مقاومة الاحتلال بالسجن 11 عاماً.
وداعاً زياد أبو عين. المجد لك شهيداً في الدفاع عن الأرض.