لنترك «الغموض الخلاق» في معناه السياسي الأميركي، الى الغموض الخلاق كما تمارسه اسرائيل في استباحتها للسيادة السورية.
هناك «خرق» و«اعتداء» فإن تكررت الخروقات والاعتداءات بذرائع مختلفة، مع هذا «الغموض الخلاق» الأمني الاسرائيلي، سنقول ان اغتيال سمير قنطار في حي جرمانا الدمشقي هو استباحة.
من قبل الفوضى السورية العارمة، تكررت الخروقات والاعتداءات على السيادة السورية، وبعد الفوضى الضاربة اطنابها في سورية، صارت استباحة.
قبل الفوضى والاحتراب والحروب بالوكالة، كان النظام يقول: سنردّ في الوقت المناسب، لكن اسرائيل، قبل الفوضى وفي غمارها، لم تتخل عن «الغموض الخلاق» ومنه عبارة «حسب المصادر الاجنبية» .. ولكن في وسيلة الخرق والاعتداء.. والاستباحة فقط.
ما الجديد الذي استجد في اغتيال سمير قنطار؟ إنه السؤال: أين الدفاع الجوي الروسي، وصواريخ ٣٠٠ S او ٤٠٠ في قاعدة «حميميم» التي نُصبت بعد اسقاط السوخوي الروسية بصواريخ جو - جو من طائرات F16.
أولاً، هي مظلة صاروخية لتأمين الطائرات الروسية في طلعاتها القتالية، وليست مظلة جوية لتأمين السيادة الجوية السورية.
روسيا تنسق مع دول وطائرات تحالف «الناتو»، ومع اسرائيل ايضاً، وتركيا خرقت التنسيق بدعوى أن السيخوي اجتازت الاجواء التركية مدة ٢٣ ثانية.
لا حاجة لسلاح الجو الاسرائيلي الى خرق السيادة الجوية السورية، فهي مزودة بصواريخ جو - ارض تطلقها من اجوائها السيادية، او من اجواء لبنان المستباحة بدورها.
لاسرائيل أقمار تجسس عسكرية من طراز «أوفك» (أفق)، تقوم بتحديد «الهدف» ثم تقوم صواريخ جو-أرض بضربة جراحية له.
لست خبيراً عسكرياً، لكن عندما نصبت سورية صواريخ سام 5 في البقاع اللبناني، قال لي «ابو الجليل» ان «ذبابة» اسرائيلية لن تطير في سماء لبنان، فقلت له: لكل تكنولوجيا عسكرية ما يفلّها.
ما الذي حصل؟ طيرّت اسرائيل في سماء لبنان طائرات بلا طيّار، فشغل طاقم الدفاع السوري بطاريات سام 5، وقامت طائرات سلاح الجو الاسرائيلي بقصف وتدمير البطاريات بكاملها بصواريخ جو-أرض.
هذه واحدة، والثانية حصلت قبل حرب تشرين ١٩٧٣ بقليل، حيث دارت معركة جوية قبالة الساحل السوري، وكانت النتيجة سقوط ١٣ طائرة سورية مقابل صفر.
طيار سوري سقطت طائرته وهبط بالمظلة، قال لأخي، لم نر في الأفق أية طائرة اسرائيلية، ولم يحصل اشتباك جوي!
كانت المعارك الجوية - إن رأيتم أفلام الحرب العالمية الثانية - تدور وفق تكتيك «المهارشة» او قتال الكلاب، وصارت تدور «من وراء الافق» بصواريخ جو - جو بين الطائرات، كما في اسقاط القاصفة سوخوي، او بصواريخ جو - ارض «من وراء الحدود» ايضاً ضد مواقع او اهداف عسكرية.
حتى حرب الخليج الاولى، اعتمدت اسرائيل على سلاح جوي قوي، ثم بنت دفاعاً جويا بمساعدة اميركا ببطاريات «باتريوت» التي تطورت لاعتراض الصواريخ البالستية (التسيارية) وكذا ضد الصواريخ ذات المدى القصير، ويسعى الاسرائيليون لتطويرها ضد قذائف الهاون ايضاً!
الآن، بعد حرب تشرين تُطلق الطائرات المغيرة بالونات حرارية لتضليل صواريخ ارض - جو من طراز الكتف (سام 7) الى (سام 5) .. وصارت اميركا تطلق صواريخ كروز الجوالة من على مبعدة آلاف الكيلومترات، وتطلق روسيا صواريخها الجوالة (تطير على علو ٢٠ متراً حسب تضاريس الارض) لتصيب اهدافها في سورية .. من بحر قزوين خارقة السيادة الجوية الايرانية.
تستطيع بطاريات ٤٠٠ S ان تمنع تحليق طائرات «العدو» على شعاع بعد ٤٠٠ كيلومتر، لكن روسيا ليست في حالة عداء مع اسرائيل، وطائرات اسرائيل تحلق فوق طبريا لتقصف في دمشق.
فإلى الجانب السياسي الدولي، حيث وقع الرئيس السوري ٢٠١٠ على وثيقة كيري بالاستعداد لسلام كامل مع اسرائيل مقابل استعادة الجولان كلياً، او جزئياً، وكان رد نتنياهو: لن أقوم بذلك. لست قادراً عليه. بكل بساطة لا يمكنني!
أما على الجانب السياسي الداخلي، فإن نتنياهو يريد تبكير الانتخابات لرئاسة الليكود، وبالتالي: «أنا رجل أمن اسرائيل».
سورية تأخرت عن مصر والاردن وفلسطين في الاعتراف باسرائيل، وترك الأسد الكبير استعادة الجولان للأجيال المقبلة!
سورية لم تحارب ولم تسالم، وفي النتيجة كما نراها: انهيار سوري، واستباحة اسرائيلية قبل وبعد الفوضى السورية.
ماذا يقولون؟ اسرائيل جيش وله دولة. ماذا نقول: سورية حزب وله دولة. الحزب انتهى الى امتهان والدولة الى الاستباحة ... أرضاً وجواً وجيشاً ونظاماً .. ودولة!