الدليل الظرفي في موضع الدليل الدامغ

الدليل الظرفي في موضع الدليل الدامغ ؟

الدليل الظرفي في موضع الدليل الدامغ ؟

 لبنان اليوم -

الدليل الظرفي في موضع الدليل الدامغ

حسن البطل

هل تتذكرون "أعراض حرب الخليج" التي أصابت بعض جنود التحالف من غزاة العراق؟ مات بعضهم والبعض الآخر أصابته أمراض التسمم بقية حياته، والسبب؟ استخدام جنود التحالف "اليورانيوم المنضب" في قذائف مدفعية ضد المدرعات العراقية، لتسهيل اختراق دروعها. لم يتساءلوا، إلاّ قليلاً، عمّا حلّ بجنود المدرعات العراقية، ولا بالبيئة، لاستخدام سلاح نووي "مخصي" محرّم دولياً؟ بعض جوانب قصة غاز السارين في الغوطة الشرقية تذكر ببعض جوانب "اليورانيوم المنضب" سوى أن "عامل الشك" في الحالة الأولى غير موجود، وفي الحالة الثانية تستخدم أميركا "الدليل الظرفي" حول استخدام الغاز فعلاً، إلى "دليل دامغ" حول مسؤولية النظام في استخدامه. هناك ما يكفي ويزيد من أدلة سياسية تدين النظام، فقد استخدم العنف ضد انتفاضة مدنية سلمية، وتسبب في تفاقمها حرباً أهلية ثم إقليمية، قد تتفاقم دولية. لم يدرك أن النظام أهم من الرئيس، والدولة أهم من النظام، والشعب أهم من الكل. في استخدام الجيش العراقي الغاز السام في حلبجة الكردية كانت الأم الميتة إلى جانب طفلها الميت في مكان الموت ـ الجريمة. لا توجد شبهة في استخدام الغاز السام في الغوطة، لكن الاشتباه في الطرف الذي استخدم هذا السلاح. عندما تحصل جناية قتل، يقوم المحققون برسم دائرة طباشير حول مكان جسم الجريمة قبل رفعها، وعندما يحقق رجال السير في حادثة مرور، قاتلة أو غير قاتلة، يقومون "برسم" الحادثة قبل رفع السيارات، أو حادث الدهس مثلاً. صور ضحايا الغاز في الغوطة في معظمها كانت بعد نقل الجثث وصفّها، والتركيز على صفوف من الأطفال الموتى، وقليلاً حول رجال ملتحين تم صفّ جثثهم، بأكفانها وغير أكفانها. أين صور الأمهات الضحايا إلى جانب أولادهن الضحايا، ولماذا تم تخريب أو العبث بالأدلة؟ قد تكون الفوضى هي السبب، لكن التغطية الإعلامية للحرب السورية متوفرة أكثر بكثير من التغطية الإعلامية للحرب العراقية. ليس فقط أن كولن باول اعتذر عن تقديم "أدلة ظرفية" من "الفوتوـ شوب" لمجلس الأمن حول أسلحة الغاز العراقية، بل إن كبير مفتشي الأمم المتحدة، الأسترالي هانز بليكس حاجج بأن فريقه دمّر الأسلحة الكيماوية العراقية، بطرق فنية آمنة. الأدلة السياسية تدفع النظام السوري بالإدانة بلا شك، فهو قمعي، استبدادي، لكن ما يجري هو تحويل "دليل ظرفي" إلى "دليل دامغ" واستخدام "عامل الشك" ليس ضد الثوار بل ضد النظام. النظام شرّير والمعارضة أكثر منه شراً. ما هي المسألة؟ تجريد جيش النظام من سلاح ردع استراتيجي، ليس فقط في الأسلحة الكيماوية، بل في صواريخ أرض ـ أرض طويلة المدى، وكذلك أسلحة الدفاع الجوي المتقدمة. منذ وقت غير قصير تتحدث إسرائيل عن قنبلة إيرانية "مخلة بالتوازن" وعن صواريخ بحرية (ياخونت) مخلة بالتوازن، وعن تزويد حزب الله بأسلحة صاروخية أو أسلحة دفاع جوي مخلة بالتوازن؟ لا يوجد توازن بين قنبلة نووية واحدة إيرانية و100 قنبلة نووية إسرائيلية، والولايات المتحدة على عهدها بحفظ التفوق العسكري الإسرائيلي، كماً ونوعاً، على كل دولة عربية أو مجموعة جيوش عربية وإقليمية. منذ حرب أكتوبر 1973 أخلّ العرب قليلاً بالتفوق الإسرائيلي، وبدلاً من مجاراة سلاحهم الجوي بسلاح جوي إسرائيلي، لجؤوا إلى صواريخ الدفاع الجوي، وبدلاً من دبابات سورية تجاري الدبابات الإسرائيلية، وسلاح جوّي سوري يتحدى التفوق الجوي الإسرائيلي، لجؤوا إلى صواريخ السلاح الكيميائي لموازنة السلاح الذري وإلى صواريخ تنقل الحرب المستقبلية إلى عمق إسرائيل. فنياً، يمكن لضربة أميركية أن تدمر أسلحة الجو والصواريخ السورية، لكن لا يمكن لها تدمير السلاح الكيميائي لمحاذير عملية، بل يجب تفكيكه في أرضه، أو نقله إلى دولة أخرى، على غرار مشاريع نقل اليورانيوم المخصب الإيراني إلى روسيا مثلاً. ليس في طاقة سورية المنهكة أن تواجه حرباً داخلية وحرباً خارجية، ولا أن تستخدم بشكل فاعل حق الدفاع المشروع عن النفس. وما تقترحه أميركا بديلاً من الضربة، التي ستؤدي لانهيار الجيش ثم النظام ثم الدولة، هو الاستسلام السياسي، وقبول تجريدها من أسلحة الردع الاستراتيجية.. واستقالة رئيس النظام. كان الرئيس المغتر بنفسه بشار الأسد قد عيّر الرئيس مبارك بأنه من "اشباه الرجال". الرئيس مبارك تنحّى بعد عشرين يوماً من الانتفاضة، والرئيس الأسد ليس أمامه إلاّ التنحّي بعد أن تسبّب في خراب بلاده وجيشه. الدليل السياسي الدامغ تم إلصاقه بالنظام السوري، والآن يستخدم الدليل الظرفي الكيماوي كدليل دامغ عسكري. نقلا عن "الأيام"

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدليل الظرفي في موضع الدليل الدامغ الدليل الظرفي في موضع الدليل الدامغ



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:45 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 15:27 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

علي ليو يتوج بلقب "عراق آيدول" الموسم الأول

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:28 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 09:37 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 14:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

متوسط أسعار الذهب في أسواق المال في اليمن الجمعة

GMT 19:03 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منى عبد الوهاب تعود بفيلم جديد مع محمد حفظي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon