الـنـكـبـة الـسـوريــة

الـنـكـبـة الـسـوريــة

الـنـكـبـة الـسـوريــة

 لبنان اليوم -

الـنـكـبـة الـسـوريــة

حسن البطل

ذكّرتني صورتان على الفيسبوك بصورة تصويرية رواها لي زميلي السوري الحموي في جامعة دمشق، الشاعر مسعف البارودي. هو يكبرني بخمس سنوات، وله في ذهنه صورة لا تُمحى عن صدى النكبة الفلسطينية في سورية. هاكم هي: باص ركاب (أوتومُبيل) يقف أمام مسجد في مدينة حماة، والميكروفون ينادي: "إلى فلسطين". يقول مسعف إن بعض المصلّين كانوا يعطون حاجيات البيت لأولادهم، ويمتطون السيارة... "إلى فلسطين" أو مراكز تدريب المتطوّعين السوريين لإنقاذ فلسطين (معظم المتطوعين من سورية ولبنان.. مفهوم؟) الصورة الفيسبوكية الأولى هي صورة هُويّة "مجاهد" في "قوات إنقاذ فلسطين" كان له من العمر، آنذاك، 23 سنة (ولد عام 1925).. هل عاد من الحرب أم سقط فيها، أم عاش حتى هرم ومات؟ الصورة الفيسبوكية الثانية، طازجة من صور الأمس، حيث رتل من الطلبة الفلسطينيين في مخيم اليرموك، يتوجهون لأداء امتحان الشهادة الثانوية، وسط شارع يحمل آثار خراب الحرب. سأجمع هذه الصور وغيرها مع تصريح أخير لمفوض عام "الأونروا" فيليبو غراندي، وفيه أن 75% ـ 80% من الفلسطينيين في سورية أجبرتهم الحرب الأهلية على مغادرة أماكن سكناهم. أليست هذه نكبة ثانية فلسطينية في سورية؟ في الأقل لأن النسبة تذكّر بنسبة لجوء الفلسطينيين عام النكبة الأولى، أي لجوء 750 ألف فلسطيني من أصل مليون و200 ألف كانوا مجموع سكان فلسطين. شرارة الثورة السورية الجارية بدأت بحركة احتجاج أولاد يكتبون "الشعب يريد إسقاط النظام" على حيطان مدينة درعا، وبفعل القمع الشديد، انتشرت الشرارة حريق مظاهرات سلمية في مدن سورية وقراها، وبفعل مواجهة المظاهرات بنيران قوات النظام، صارت مظاهرات الاحتجاج ثورة مسلحة. المعارضة ومؤيدوها، في الداخل والخارج، يصفونها بالثورة، والنظام يصفها "إرهاباً" و"حركات تكفيرية".. والفريقان يتركان وصف الصدام بـ "الانتفاضة" ربما لأنها من صفات العمل الفلسطيني. وأنا؟ فلسطيني ـ سوري ومواطن في فلسطين سأصف "الثورة" و"الإرهاب" و"التكفير" على أنه نكبة ثانية للفلسطينيين في سورية، كما لسورية الدولة والبلد والشعب، أيضاً. عندما كتبت عن "السلطة ومخيمات سورية" بأن يد السلطة قصيرة في دعم فلسطينيي سورية، تلقيت لوماً تقريعياً من بعض القرّاء، وتساءل البعض: أليست م.ت.ف هي الممثل الشرعي؟ ألا تستطيع استصدار قرار من مجلس الأمن بحماية اللاجئين الفلسطينيين في سورية.. إلخ (أميركا لا تستطيع). اقتطعت السلطة شيئاً من رواتب موظفيها، وأرسلت وترسل إمدادات غذائية وطبية، وخصّصت مليون دولار شهرياً لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين في سورية وبلدان لجوء ـ اللجوء جوارها، وأرسلت وفداً، للمرة الثانية، من اللجنة التنفيذية للمنظمة، إلى سورية ولبنان برئاسة زكريا الأغا. سورية هي الدولة العربية الثانية في عديد اللاجئين الفلسطينيين فيها، بعد الأردن (باعتبار اللاجئين عام النكبة 1948 إلى الضفة وغزة يقيمون في نطاق فلسطين التاريخية ـ السياسية) وازداد عدد اللاجئين إلى سورية من 80 ألفاً عام النكبة إلى 500 ـ 600 ألف حالياً، أي بنسبة تكاثر عموم الفلسطينيين في البلاد والمنافي. من بين بلدان اللجوء يعتبر اللجوء الفلسطيني إلى سورية ذا طابع خاص، فهم ينتشرون في المدن والقرى والمخيمات (خلاف الأرمن والشركس)، وباعتبارهم سوريين من حيث المعاملة المواطنية، باستثناء المعاملة السياسية، منذ قانون 1965، ومن ثم صار الفلسطينيون متدخلين عميقاً في نسيج الشعب السوري بالزواج والمصاهرة، كما سورية تتدخل عميقاً في نسيج فصائل منظمة التحرير الفلسطينية.. باستثناء "فتح" عموماً. تقف المنظمة والسلطة على الحياد الرسمي إزاء المحنة السورية، وليس على الحياد إزاء "نكبة" الفلسطينيين في سورية، وهي لا تتدخل خارج نطاق مدّ يد العون وهي قصيرة. منذ خروج بيروت 1982 خرجت المنظمة والسلطة من التدخل في الشؤون العربية، لكن النظام السوري لا يخرج من التدخل في شؤون بعض الفصائل الفلسطينية، لأن فلسطين "قضية سورية" في الصميم كما قال انطون سعادة عن حق، وسورية "قضية فلسطينية" في الصميم، أيضاً، لأن لها "شعباً" هناك. إن الحلّ الفلسطيني للاجئين الفلسطينيين في سورية مرتبط بالحل السوري ـ السوري بين الشعب والمعارضة والنظام، وهذا مرتبط بالحل الإقليمي ـ الدولي، كما قضية دولة فلسطين. ليست المنظمة والسلطة في وضع "حزب الله" اللبناني من الصراع السوري، ولا في وضع إيران أو روسيا. ما سبب المحنة السورية؟ هذا البلد يحوي أقليات قومية ودينية ومذهبية، وكانت سورية تبدو متماسكة وصلبة مثل صخر "الغرانيت"، ولكن هذا الصخر المقاوم لعوامل التعرية الجوية والفيزيائية، سهل الانفراط.. إذا تدخّل عامل كيميائي، مثل الأسلمة والمذهبية والتطييف! في بدايتها كانت الثورة السورية أبهى وأجمل من ثورات "الربيع العربي"، لأنها بدأت في الأرياف والمدن الصغيرة وانتشرت، وليست مثل مصر وتونس في ساحات العاصمة وميادينها. لم تندمل جراح لبنان من حربه الأهلية، ولا جراح العراق.. وجراح سورية أصعب وأعمق، ومحنة الفلسطينيين هناك ليست أقلّ من نكبة ثانية. نقلاً عن جريدة " الأيام" .

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الـنـكـبـة الـسـوريــة الـنـكـبـة الـسـوريــة



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:45 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon