حسن البطل
في المسافة بين المدى المجدي للرصاصة، والمدى المجدي للحجر، تكشفت جريمة قتل مقصودة ليافعين فلسطينيين. فيما سبق من جرائم القتل كانت هناك حجة الالتباس لدى الجنود، أو ذريعة تهديد مدى الحجر المجدي لحياة حامل بندقية المدى المجدي للرصاصة؟
الصورة لا تكذب، والفيلم عن مقتل يافعين اثنين بالتوالي برهان مؤكد.
في إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، يتلقى الجنود أمر فتح النار من ضابط مسؤول، لا بدّ أنه رأى كيف سقط الشهيد الأول فوراً برصاصة قنص، دون أدنى حراك، فرصاصة القتل كانت في الجزء الأعلى من الجسم .. فلماذا لم يأمر الضابط بوقف إطلاق الرصاص الحي، الذي أصاب اليافع الفلسطيني الثاني في مقتل، بعد حركة تشنج قصيرة!
تصادف القتل الجديد (بعد ٢٧ قتل في السنة الفائتة، منهم ١٧ فتى لاجئا، وسبعة آخرون في السنة الحالية منهم ٧ لاجئين) مع سنوية النكبة، لكنه تصادف أيضاً مع استئناف عائلة النشيطة الاميركية راشيل كوري (٢٣ عاماً) ضد تبرئة الجيش من نية وقصد القتل، بذريعة أن سائق الجرافة لم ير ضحيته التي كانت ترتدي سترة برتقالية. والدا راشيل يواظبان منذ ١١ سنة على خوض معترك قانوني - قضائي، علماً أن والدها كان جندياً أميركياً.
حصلت جريمة القتل العمد أمام سجن عوفر، وهو أقرب سجن إسرائيلي للمناطق الفلسطينية السيادية، ولذا صار موقعاً للصدام في كل مناسبة، وبخاصة للتضامن مع الأسرى، الذين يخوضون نضالاً ضد الاعتقال الإداري، ولا بد أن المعتقلين يسمعون صدى هتافات التضامن معهم، فتقوى معنوياتهم على الصمود ومواصلة إضراب الجوع.
يكفي، في العادة، وابل من قنابل الغاز لتفريق أي تظاهرة، او يكفي رصاص مطاطي ليوقع جرحى وتنفض التظاهرة، علماً أن الجنود لا يسمحون للمتظاهرين بتجاوز مسافة رمية الحجر، ضد جنود يعتمرون الخوذ وصداريّ مضادة للرصاص!
يبدو أن تكرار التظاهر أمام سجن عوفر دفع الجنود للانتقال من مرحلة فض التظاهر او استخدام الترويع الى مرحلة اطلاق رصاص قاتل مرتين على التتابع، لخلق حالة ردع عن تكرار التظاهر أمام السجن.
في حوادث القتل السابقة كانت إسرائيل تحاجج ضد البراهين (بالصور الثابتة) بالذرائع، أما في حادثة القتل المزدوجة فإن شريط فيلم "الفيديو" برهان دامغ، أثار أصداء احتجاج دولية وحتى إسرائيلية (منظمة بتسيلم).
كثيراً ما تبجحت إسرائيل بأن عشرات الضحايا العرب يسقطون يومياً، لكن هذا في حروب أهلية، أو أن الضحايا المدنيين هم خسائر هامشية لصراع مسلح، لكن ضحايا إسرائيل من الفلسطينيين يسقطون بسبب احتجاج سلمي، في إطار صراع وطني بين شعب وبين سلطة احتلال عسكرية. فرق كبير بين ضحايا حروب أهلية وقتلى صراع وطني .. وفي الحالتين هذه "جرائم حرب".
واضح أن اسرائيل، المعجوقة سياسياً بعد فشل المفاوضات ومن تحميلها حتى من الجانب الأميركي المسؤولية الأساس عن الفشل، تريد جرّ الجانب الفلسطيني إلى اضطراب شامل، وخوض انتفاضة مسلحة ثالثة، لأن الحرب أسهل على إسرائيل من الصراع السياسي .. السلمي بخاصة.
في زمن ولّى، كان المفتش كولومبو، في أفلام السينما، يوقع بالمشتبه بالقتل العمد الغامض عن طريق قرائن مربوطة بقرينة دامغة.
في زمننا الحالي صار الدور على أوكامبو في محكمة الجنايات الدولية لجرائم الحرب .. وتستحق جريمة القتل المزدوج أمام سجن "عوفر" أن تكون دليلاً دامغاً، قد لا يستطيع الجيش نقضه حتى أمام محاكم إسرائيلية دأبت على محاباة الجيش.
آخر بدع الادعاءات الإسرائيلية أن الشريط "مفبرك" .. كما في شريط الطفل محمد الدرة بداية الانتفاضة؟!
اللا-سامية واللا-فلسطينية
في العام ٢٠١٢ لم يسقط قتيل إسرائيلي واحد بأيد فلسطينية، لكن اسرائيل عادت للضرب على وتر "اللاسامية" واتهمت الفلسطينيين بأعلى نسبة في "اللاسامية" ومعاداة اليهود!
إحصائية إسرائيلية أُخرى، أظهرت أن شبان "شارة ثمن" يمارسون اعتداءات على الفلسطينيين وأملاكهم تفوق، نسبة لعدد السكان، ممارسات "كراهية اليهود" في أية دولة، او في فرنسا بالذات.
كم قتيلا يهوديا يسقط في العالم كل عام (أو في حوادث السير)؟ وكم قتيلا فلسطينيا يسقط في فلسطين وفي دول الشتات العربي، المبلية بهذا الربيع الوخيم؟
إن كراهية الفلسطينيين أشد انتشاراً من أي كراهية لليهود باسم "اللاسامية" بغض النظر عن احتكار إسرائيل للاسامية.
إذا تعرض اليهود في العالم للخوف من الاضطهاد والتمييز، تفتح إسرائيل ذراعيها لهم .. لكن الحال مختلف جداً عندما يتعرض الفلسطينيون إلى ما هو اكثر من اضطهاد وكراهية.