حسن البطل
تطوّر خطير؟ أو تطور ذو مغزى؟ ستكشف الأيام ومجريات الحرب في سورية وعليها معنى إعلان سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي الأميركي، انتقال دعم أميركا للمعارضة السورية من تزويدها بسلاح "غير فتّاك" إلى "سلاح فتّاك".
هل هذا التطور إعلان رسمي عن معلومات صحافية سابقة تحدثت، في نيسان الماضي، عن تزويد جناح المعارضة السورية، غير الإسلامية، بصواريخ مضادة للدروع من طراز تاو TOW، أو تزويده بصواريخ ستينغر المحمولة فردياً والمضادة للطائرات كما ذكرت "واشنطن بوست" في أيار الماضي؟.
كانت الولايات المتحدة بدأت تدخلها اللوجستي بتدريب المعارضة السورية "العلمانية" المقربة إليها بشكل خبراء أو "مستشارين" في دولة مجاورة لسورية غير عربية، وربما في دولة عربية مجاورة.
الأسئلة السياسية، غير العسكرية، على هذا التطور هي: هل وقّتت واشنطن هذا التطور رداً على انتخابات سورية رئاسية أسفرت عن فوز بشار الأسد؟ أم رداً على تقدم ميداني لقوات النظام وحلفاؤها؟ أم مسعى لحسم ميزان القوى بين "الجيش الحر" ومنافسيه من "داعش" و "النصرة"؟
.. أم نضيف إلى مجموعة هذه الأسباب سببا أميركيا ودوليا هو الرد على انتقادات لإدارة أوباما تصفه بالحائر ـ الخائر، وخاصة في الكونغرس من جانب الحزب الجمهوري وبعض الحزب الديمقراطي.
.. أم نضيف، أيضاً، أنها نقلة في رقعة الشطرنج الروسية ـ الأميركية، بعد تحدّي فلاديمير بوتين للغرب في أوكرانيا وإعلانه، صراحة، بعد ضم القرم وتوسيع نفوذه في شرق أوكرانيا، أنه لن يسمح للحلف الاطلسي أن يضم إليه حكومة موالية للغرب في غرب البلاد.
في بداية الصراع السوري، كسبت أميركا نقلة في رقعة الشطرنج هذه، عندما هدّدت بالتدخل، مباشرة، بعد قصة استخدام الأسلحة الكيماوية من طرف النظام (والمعارضة؟) امّا بقصف جوي مباشر على غرار ضرب صربيا، أو بفرض "منطقة حظر طيران" كما فعلت في مرحلة من مراحل الحروب العراقية.
إذا كانت أسباب هذا التطور، الخطير أو ذي المغزى، أميركية صرفة، أي رداً على اتهامات سياسية لأوباما بالانسحاب الاستراتيجي من حروب التورط في أفغانستان والعراق، وعلى الانتخابات النصفية لكونغرس صيف هذا العام؛ فإن واشنطن غادرت أسلوب "الحرب بالوكالة" إلى أسلوب "الحرب بالأصالة".
هل يشمل هذا نموذج التدخل الأميركي الجوي في اليمن وباكستان بقصف مواقع المعارضة الأصولية الإسلامية بطائرات بلا طيار، أم يمتد لاحقاً إلى قصف قوات النظام السوري.. والصدام مع موسكو وإيران؟
لنتذكر أن التورط الأميركي في فيتنام بدأ بـ "مستشارين" وانتهى بتدخل مباشر في "حرب آسيوية" أخرى كانت أقسى وأبهظ حروب أميركا الإقليمية بعد الحرب العالمية الثانية، بذريعة صدّ سياسة تساقط "أحجار الدومينو" في أقصى شرق آسيا، كما قال هنري كيسنجر.
كررت أميركا غلطة فيتنام في أفغانستان، عن طريق دعم المناوئين للنظام الموالي لموسكو (بابراك كارمال) بصواريخ ستينغر م/ط، لكنها لاقت الجزاء استخدام المعارضة المنتصرة على التدخل السوفياتي هذا السلاح ضد قواتها، بعد انتصار حركة "طالبان". التورط الأميركي في حروب العراق كان مشابهاً تقريباً.
انسحبت جيوش أميركا من العراق تاركة إياه في فوضى عارمة، وحليفاً للنظام الإيراني، أيضاً، وهذه سنة مقررة للانسحاب من أفغانستان مع "تمرد" الرئيس حامد قرضاي على الولايات المتحدة، وتقربه من أجنحة طالبانية.. واستمر التورط الأميركي في اليمن قبل وبعد تغيير النظام بالقصف الجوي.
الولايات المتحدة توجه "رسالة" إلى إيران وروسيا بأنها لن تسمح بانتصار محور يضمهما مع العراق وسورية وحزب الله، كما لن تسمح دول هذا "المحور"، بدورها بهزيمة النظام السوري.. ستكون هذه "حرباً عالمية".
كان هناك، حتى قبل هذا "الربيع العربي" من توقّع صراعاً استراتيجياً بين محوري "دول الممانعة" مدعومة من موسكو والعالم الغربي بما فيه إسرائيل، المترددة بين خيار انتصار معارضة إسلامية أصولية، وخيار انتصار النظام... ولكن ليس انتصار معارضة على غرار "الجيش الحر".. وهي، ببساطة، مع استمرار الصراع السوري حتى تدمير سورية، بعد تدمير العراق وفوضى مصر!
ذريعة أميركا في حروبها وسياساتها الخارجية هي "دعم الديمقراطية"، وسياسة إسرائيل هي "مقاومة الإرهاب" بشقيه المسلح والسياسي، كما في موقفها من إيران ومن حكومة الوفاق الفلسطينية والانتخابات المترتبة عليها.
أميركا ترى في السلطة الفلسطينية صديقاً محتملاً، خلاف إسرائيل، لكنها ترى في سورية نظاماً مناوئاً وغير ديمقراطي.. لكن من المثير جداً نشوء خلاف استراتيجي بين أميركا وإسرائيل، حتى بعد تفشيل إسرائيل مهمة كيري.
تخلت أميركا عن دور "ديناصور" في الصراع السوري (وليس الفلسطيني ـ الإسرائيلي)، وباشرت دور "ديناصور لاحم" وبهذا أسعدت إسرائيل لأنها تفضل أن تحارب الولايات المتحدة بالوكالة عنها في تدمير العراق ثم تدمير سورية، على أمل فشل الحوار مع إيران حول تطورها النووي، وأن ينفّذ أوباما وعده: "لن نسمح بإيران نووية".. ويقصف إيران موفّراً على إسرائيل هذه المغامرة.