حسن البطل
روى لي صديقي نصري حجّاج واقعة درامية عايشها، في طفولته، بمخيم عين الحلوة، حيث كان المشيعون يضطرون، في المنعطفات الحادة والضيقة، إلى تمييل تابوت الميّت من أفقي إلى مائل.
الآن، يعيش نصري في صيدا، وهذا يذكّرني بواقعة جرت العام 1981، أي قبل عام من الاجتياح الإسرائيلي، حيث أمر أبو عمار بصرف 5 ملايين دولار لتعويض تجار وسكان صيدا عن خسائر لحقت بهم، جرّاء اشتباك بين فصيل يساري في م.ت.ف وفصيل حركة "فتح".
في اجتماع القيادة الفلسطينية لتطويق الاشتباك وآثاره، لدغ أبو عمار مازحاً قائد "القوات المشتركة" في جنوب لبنان: ولو.. نسيت أنك، أيضاً، قائد فتحاوي؟ لو كَلَّفْتُ أحمد عبد الرحمن "بضبضبة" عناصر تنظيم هاجموا قوات "فتح" لفعل أحسن مما فعلت!
"فتح" هي من قاد الكفاح المسلح ضد إسرائيل، ومن ثمّ جهاز الشرطة الفصائلي المسمى "الكفاح المسلح" وكذا القوات المشتركة الفلسطينية ـ اللبنانية.. والآن "القوة الأمنية" المشتركة الموكل إليها تهدئة اشتباكات بين عناصر "جند الشام" الإسلامية ـ الأصولية وعناصر تنظيم "فتح" الذي لحقت به خسائر من الاشتباكات والاغتيالات في جولات من هجمات "جند الشام" وهدنات عديدة ومخروقة.
من مخيمات نكبة اللجوء بدأ الكفاح المسلح، وحروب الجيش الإسرائيلي على مخيمات اللجوء، أعقبها "حروب على المخيمات" بعد الخروج الفلسطيني المسلح من لبنان 1982، والآن، مع موجة الربيع العربي تجري حروب داخلية في المخيمات.
بدءا من خراب مخيم نهر البارد ـ جوار طرابلس لبنان، التي بدأها تنظيم إسلامي دعا نفسه "فتح ـ الإسلام" بقيادة ضابط منشق عن "فتح" وعن تنظيم منشق يدعى "فتح ـ الانتفاضة" إلى ما يحصل الآن في "اليرموك" أكبر المخيمات الفلسطينية في سورية!
تضييق النظام السوري على عمل فصائل م.ت.ف، وخاصة حركة "فتح" أدّى إلى فراغ سارعت حركات إسلاموية مسلحة إلى ملئه بالتحالف، أولاً، مع النظام، ثم تفرعت هذه الحركات إلى حركات أكثر تطرفاً، مثل حركة "النصرة" و"القاعدة" وحتى "داعش".
المخيمات الرئيسة بخاصة، ليست فلسطينية صرفة، لكن إن كانت فلسطينية صرفة أو غالباً، مثل نهر البارد، فقد وقفت فصائل م.ت.ف على مسافة من تنظيم "فتح ـ الإسلام" ونبذته.
مخيم عين الحلوة، أكبر مخيمات اللجوء في لبنان، يشبه في نسيجه الاجتماعي ـ الديمغرافي مخيم اليرموك، أكبر المخيمات الفلسطينية في سورية، وإليهما تسللت عناصر جهادية مسلحة، وسيطرت على معظمها.
سياسة "فتح" وفصائل م.ت.ف تنتهج سياسة النأي عن التدخل في الشؤون العربية الداخلية، قبل الربيع العربي وبعده، خلاف سياسة الحركات والفصائل الجهادية الإسلامية، التي تحاول التغلغل في المخيمات والسيطرة عليها، كما فعلت في مخيم اليرموك، وتحاول تكرار ذلك في مخيمات لبنان، وبالذات في المخيم الأخير ـ عين الحلوة، الذي يطوقه الجيش اللبناني من أطرافه، بينما تدير "فتح" وفصائل م.ت.ف شؤونه الأمنية، و"الأونروا" شؤونه الحياتية.
كعادتها، فإن "فتح" لا تبادر إلى صراعات ونزاعات واشتباكات مسلحة مع غيرها من الفصائل الفلسطينية، وهي أمور كانت تبادر إليها فصائل صغيرة في المنظمة مدفوعة من النظام العربي، وصارت تتعمدها حركات جهادية إسلامية معارضة للنظام العربي وللوطنية الفلسطينية.
هل ستنجح "فتح" في فرض الهدوء على مخيم عين الحلوة بهذه السياسة، أم ستضطر إلى عملية جراحية لحسم الوضع الأمني مع الحركات الإسلامية التي تهدد بـ "برمكة" مخيم عين الحلوة، الذي تغلغلت فيه عناصر مطاردة ومطلوبة من الأجهزة الرسمية والأمنية اللبنانية.
الأمر منوط، أيضاً، بموقف حركة "حماس" الفلسطينية من هذه الحركات الإسلامية الجهادية التي بدأت تتحداها في غزة، وتشكل تحدياً أمنياً وسياسياً.
لحركة "فتح" باعتبارها التي تتعرض لتحرشات دورية مسلحة من جانب هذه الحركات، إضافة إلى خلافها السياسي مع سياسة م.ت.ف والسلطة الفلسطينية في عدم التدخل بالشأن الداخلي العربي، رغم تدخله العميق في الشأن الفصائلي والفلسطيني في العراق ولبنان بدأت ردة فعل شعبية غير طائفية، ومع الدولة المدنية وغير الفاسدة، وتحاول م.ت.ف تجديد نفسها عبر اجتماع للمجلس الوطني في رام الله، وآخر للإطار القيادي لمنظمة التحرير في القاهرة.
لعلّ هذا بداية الخروج من النفق؟!