علاقة مع كزمانيا

علاقة مع كزمانيا!

علاقة مع كزمانيا!

 لبنان اليوم -

علاقة مع كزمانيا

حسن البطل

شبّت "بنت الشبرين" في قوارتها على الشرفة. رحتُ أتعلم من هذه "المهرجة" ما لم أتعلمه من قلمي: التوازن بين الكلمة والعبارة والفكرة (صاغ الشاعر هذا التوازن صيغة أخرى: "أنا التوازن بين ما يجب وما لا يجب"). عندما شبّت الصبارة في قوارتها، فصارت في طول قامة فتاة، اكتشفتُ أنني "المهرج" وليست هي: صارت نوعاً من "معبد" في قوارة، أو صارت طائفة من المؤمنين بأنه "في البدء كان الأخضر"، مع أن الطائفة العليا من المؤمنين تقول "في البدء كانت الكلمة". أعرف، كبني آدم، مكانتي بالضبط في السلسلتين الغذائية والحيوية. في السلسلة الأولى، أنا "الآكل الأعلى"، لأنني أقتات بكل ما يؤكل. وفي السلسلة الثانية أنا "الكائن الأعلى" الذي يسود نطاقات الأرض من الصحراء الجليدية البيضاء، إلى الصحراء الرملية الصفراء، إلى "الجحيم الأخضر" في الغابات العذراء.. فإلى مكعبات الباطون والزجاج. أنا الذي ألعب بالأخضر كيفما أشاء. أزرعه، أقلعه.. وأتلاعب في شيفرته الوراثية، حتى صارت طائفة الصباريات ذات مروحة شديدة التنوّع، مثل طائفة القطط والكلاب المهجنة. شبّت الصبارة فصارت في طول قامة امرأة رشيقة.. ليس لها أرجل. ليس لها رأس.. فقط عشرات، ثم مئات من الأذرع المبتهلة إلى سمت السماء. قليل من الماء وحسب. لا سماد (عضوياً أو كيماوياً)، ولا مغذيات صناعية. الصبارة هي "بنت الفقراء" بلا منازع. بعض الصباريات تتكور مثل قنفذ أبدي. بعضها الآخر يترنح مثل فوضى تظاهرة احتجاج. بعضها الثالث ينسج زهوراً من الألوان الزاهية تبزّ ألوان الفراشات في بهائها. .. وهذه الصبارة تشرب القليل من الماء، وتشب كأبرع مهرجي السيرك في التوازن.. وتواصل نسج أذرع صلوات الابتهال. * * * من بيت إلى بيت، ومن شرفة إلى شرفة تغيرت شروط أبجدية لغة النباتات. أبجدية بسيطة: ضوء وظل. هذه "انكمشت" عن النمو، وتلك ذبلت.. وغيرهما فارقت الحياة حزناً على قرنتها الأثيرة على الشرفة القديمة.. والقلة تأقلمت مع ترتيب جديد لأبجدية الضوء والظل. راحت الصبارة، أو "بنت أبي أصيبعة" كما سميتها، في سباتها السنوي المعتاد. توقفت عن غزل أوراق صغيرة، لا تلبث أن تصير أشواكاً. توقفت عن نسج أذرع مبتهلة. دخلت سبات الموت! بدأ لون الصديد البني يغزو أذرعها المبتهلة الخضراء. صارت أذرعها رخوة.. فأجبرني مرضها ثم تماوتها على دراسة "درس" جديد في أمراض النباتات! متى تقلب التربة المستنفدة من القوارة وتملأ القوارة بخلطة مدروسة من التربة: الثلث من التربة الدبالية (كومبوست). الثلث الثاني من الرمل.. والثلث الأخير من تربة زراعية عادية. أي دواء مناسب من مبيدات الآفات.. أية قرنة أنسب للاستجمام من شواظ شمس أو ريح.. الخ! * * * أعدّ وإياكم أيام الحرب وأسابيعها.. وأعدّ وحدي أيام تمريض هذه الصبارة.. والتنقل، مع ذراع صغيرة، من أذرعها إلى خبراء النباتات. أدسّ أصابعي في خلطة التربة الجديدة حتى لا تغصّ الصبارة المريضة بالماء أو ينشف ريقها من العطش. خيّل إليّ أنها، ببساطة "ختيرت" أو بلغت عمرها الافتراضي، فأخذت قصفات منها لتكون ذريتها. .. وأخيراً، صرت قبل نشرة الأخبار المتلفزة الصباحية، وبعد نشرة الأخبار الأخيرة الليلية، أزورها على الشرفة.. .. أخيراً، عاودها دبيب الحياة. براعم ورقية جديدة، هي أشبه بأصابع الطفل الوليد، تزحف من الأذرع السفلى إلى أعلى.. فأعلى. .. وأخيراً، خطر لي أن أسأل الأخصائي أغرب الأسئلة: ما اسم هذه الفصيلة من قبيلة الصباريات؟ قال: إنها "كزمانيا". كانت لدي، في بيتي البيروتي "كزمانيا" لم أسألها اسمها. لم تمرض.. ولم تتماوت. لم أدلعها.. ولم أطببها. فارقتُ تلك بعد حرب ... وصادقت هذه في غمرة حرب. * * * أكول أعلى. كائن أعلى، تعلم شيئاً من درس الحياة: "في البدء كان الأخضر" وفي بدء أخضر الصباريات كان ولا يزال النسغ أبيض. ثدييات عليا من ذوات الدم الحار تعلمت درساً. ربما تتعلم من سمكتك في حوض الماء، أو من طيرك في القفص.. أو من الصبارة في قوارتها.. ما يتعلمه الولد من مراقبة نملة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

علاقة مع كزمانيا علاقة مع كزمانيا



GMT 19:47 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم التالي

GMT 19:45 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

هجرات جديدة على جسور الهلال الخصيب

GMT 19:43 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الخيط الأميركي

GMT 19:39 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم التالي في واشنطن استمرارية أم انعطافة؟

GMT 19:38 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

السينما الإيرانية.. السؤال الحائر من «الجونة» إلى «القاهرة»!

GMT 19:34 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

لا فرصة للعرموطي برئاسة مجلس النواب

GMT 19:30 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الصندوق؟!

GMT 19:27 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلاهما مُر

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 17:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غارات اسرائيلية على جنوب لبنان وصواريخ تطلق نحو الجليل
 لبنان اليوم - غارات اسرائيلية على جنوب لبنان وصواريخ تطلق نحو الجليل

GMT 13:59 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:41 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

انتبه لمصالحك المهنية جيداً

GMT 09:34 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار لتنظيم مكتب الدراسة وتزيينه في المنزل المعاصر

GMT 12:35 2022 الأحد ,03 تموز / يوليو

"تي باو" تطلق اللاب توب Tbook X11 الجديد

GMT 21:10 2021 الثلاثاء ,14 أيلول / سبتمبر

طنجة عروس شمال المغرب افضل وجهات شهر العسل لصيف 2021

GMT 21:45 2023 الأربعاء ,14 حزيران / يونيو

ديكور أنيق يجمع بين البساطة والوظائفية

GMT 19:09 2023 الأحد ,09 إبريل / نيسان

تنانير عصرية مناسبة للربيع
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon