حسن البطل
في النزالات على حلبة الملاكمة، لا يتحدى ملاكم من وزن الريشة ملاكماً من الوزن الثقيل، هذا أولاً؛ وثانياً على حلبة الملاكمة تنتهي المباراة بالنقاط أو بالضربة القاضية.
الحرب على غزة فيها شيء من مباراة الملاكمة، فهي تدور على جولات امتدت 50 يوماً حتى الآن، لكن لن تنتهي جولات حرب بين مقاومة في وزن الريشة وجيش من الوزن الثقيل بالضربة القاضية.
هل تذكرون "تشاوف" إسرائيل وفخرها بـ "ذراع إسرائيل الطويلة" فقد ضربت أهدافاً على مبعدة آلاف الكيلومترات، جواً وبحراً.
إذا كان لنا أن نقول بمراحل ثلاث لحروب إسرائيل: المنع، الردع.. والترويع، فإن أسطورة الجيش الذي لا يقهر منعت نشوب حروب نظامية كبيرة بعد حرب أكتوبر 73، لكنها لم تردع نشوب جولات حروب إسرائيلية مع حركات مقاومة كما في الأعوام 1982 و2006 و2008 و2009.. والآن 2014.
وإذا جاز لنا أن نقول بمراحل إسرائيلية في الحرب الجارية: مرحلة جوية. مرحلة برية ومرحلة ترويع بعد فشل المنع والردع، فقد يجوز القول إن المقاومة وملاكم وزن الريشة انتقلت من التركيز على الصواريخ، إلى هجمات عبر الأنفاق.. فإلى التركيز على سلاح الهاون.
منذ صواريخ صدام حسين طورت إسرائيل دفاعاً جوياً انطلاقاً من بطاريات "باتريوت" الأميركية إلى "حيتس/ السهم" و"القبة الحديدية" ما جعل صواريخ المقاومة سلاحاً للإزعاج (أربعة قتلى فقط من 3000 صاروخ وقذيفة صاروخية).
لكن المقاومة عادت للتركيز على مدافع الهاون التي قتلت 11 شخصاً جميعهم جنود باستثناء مصرع طفل، فعادت إسرائيل إلى سلاح الاغتيالات المستهدفة للقادة الكبار في فصائل المقاومة، لكن هذا الأسلوب ليس رادعاً بحكم التجربة، ثم إلى سلاح الترويع ضد أهداف مدنية، مثل استهداف الأبراج، بعد أن فرغ "بنك الأهداف" العسكرية والأنفاق.
بعد جولات هذه الحرب، يقول البعض في إسرائيل (والغالبية خارجها) إنه لا يوجد جسم عسكري، فإن وجد فإن ثمنه الدموي والمادي والمعنوي أكبر من طاقة إسرائيل على الاحتمال، ولن يمنع "حرب استنزاف" تدور في شوارع غزة بعد احتلالها.
ثلاث حروب في ست سنوات كافية للاستخلاص بأن المنع والردع والترويع لن تحسم، وعن سلاح الهاونات يقول خبير عسكري إسرائيلي: يكاد لا يوجد حل دفاعي حقاً، وغالباً لا يوجد ردع.
توجد عدة مشاريع قيد التجربة للتصدي لقذائف الهاون عن طريق "مدافع ليزرية" رخيصة الثمن لإسقاط قذائف الهاون بكلفة 2000 دولار لكل إطلاقة تصدٍ، مقابل 50 ألف دولار لكل صاروخ في منظومة "القبة الحديدية".
لا يوجد دبابة أثقل وأكثر تدريعاً من دبابة "ميركفاه" وهي ناقلة جند، أيضاً، لكن آخر طراز منها ميركفاه 3 و4 مزودة بسلاح يدعى "معطف الريح"، وخاصة بعد مصرع سبعة جنود في مجنزرة قديمة من طراز "إكس ـ إم 113" وهي تراث أميركي من حرب فيتنام.
يفكرون، أيضاً، بمدرعات آلية (روبوتية) بلا جنود، وبوسائل لاكتشاف حفر الأنفاق عن طريق سبر الاهتزاز في سطح الأرض.
الانتقاد الذي يوجهونه في إسرائيل لـ "عبارة التكنولوجيا" هو أن الجيش مهمته التضحية في جنوده لحماية المدنيين من شعبه، وليس العكس!
من الواضح أن الحسم العسكري غير ذي موضوع، ولا يتم حتى بالترويع، لكن الحسم يكون بحل سياسي.
هناك في إسرائيل من يدعو لمؤتمر دولي، وآخرون يدعون إلى قبول إسرائيل لمبادرة السلام العربية (بنسختها الأولى: السعودية)، وغيرهم يدعون السلطة إلى العودة لغزة.
رئيس السلطة سيتحدث في الدورة المقبلة للجمعية العامة عن مبادرة/ مفاجأة لدعوة مجلس الأمن أو الجمعية العامة لإطفاء بؤرة الحروب، وهي تحديد أجل لإنهاء الاحتلال، كما جرى، مثالاً، بالنسبة إلى "ناميبيا" لإنهاء سيطرة حكومة جنوب أفريقيا العنصرية عليها.
هذه فكرة سياسية أبعد من لجان التحقيق الإسرائيلية والدولية، وهي تستكمل خطوة الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو.
إذا أعاقت أميركا مجلس الأمن عن تحديد أجل إنهاء الاحتلال، ستقوم السلطة بالانضمام إلى معاهدة روما حول جرائم الحرب، بعد أن ضمن رئيس السلطة موافقة الفصائل على هذا.
هل هذه الحرب "آخر الحروب"؟ ليست الشكوك بل حسابات غياب حل سياسي هي التي تنفي هذا الافتراض.
هل نضج الفلسطينيون والإسرائيليون لحل سياسي؟ هذا هو السؤال.