الأمير الأحمر وجذور الاعتدال

"الأمير الأحمر".. وجذور الاعتدال؟

"الأمير الأحمر".. وجذور الاعتدال؟

 لبنان اليوم -

الأمير الأحمر وجذور الاعتدال

حسن البطل

ذات يوم، كتبتُ حال (ستاتوس) على صفحتي: "في زمن السلطة نحنُّ إلى المنظمة. في زمن المنظمة نحنُّ إلى زمن الثورة.. وفي زمن الدولة قد نحنُّ إلى زمن السلطة"؟!
ستنشر دورية "سياسات" في عددها قيد الصدور دراسة عن جذور الاعتدال والواقعية في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، إبان زمنها الذهبي اللبناني، وفحواها أن حرب أكتوبر 1973 كانت فرصة للمنظمة لاعتدالها السياسي، وليس بالذات بسبب قصور تلك الحرب عن "تحرير الأرض المحتلة".
قد نعود بجذور الاعتدال السياسي الفلسطيني حتى إلى زمن التقسيم الأول 1947، حيث قبله البعض القليل ورفضه البعض الآخر.. لكن هذا كان قبل الكفاح المسلح الفلسطيني في انطلاقته الجديدة نحو التحرير. وفّرت لي "الأيام" بإعادة نشرها مقالة أمل مدلّلي، في "الحياة" اللندنية، فرصة لطرح جذول الاعتدال السياسي الفلسطيني في حقبة سبعينيات القرن المنصرم.
بطل القصة هو "الأمير الأحمر" أبو حسن سلامة (علي حسن سلامة) قائد جهاز الـ 17، وكان هذا أشبه بالحرس الجمهوري في دول عربية أو بقوات أمن الرئاسة في زمن السلطة.
رجلا أمن ومخابرات: أميركي هو روبرت آيمس وفلسطيني هو أبو حسن سلامة كانا بطلي قصة استخبارية تذكّر بالقصص البوليسية المشوقة.. ومهدت إلى ما نعرفه اليوم بـ"عملية السلام".
بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية 1975 بعام قامت قوات "م.ت.ف"، بناء على اتفاق غير رسمي، بحماية السفارة الأميركية في بيروت الغربية، وأمّنت لاحقاً إجلاء الرعايا الأميركيين من ميناء بيروت.
شخصياً، رأيت جندياً فلسطينياً من جيش التحرير يحرس السفارة الأميركية على كورنيش البحر (كورنيش المنارة ـ بيروت الغربية) بينما يقوم جنديان من المارينز برفع العلم الأميركي على السارية داخل السفارة؟!
المهم أن الصلة الفلسطينية ـ الأميركية كانت أمنية، وتولاها روبرت آيمس الذي يجيد العربية (قتل في تفجير السفارة الأميركية ببيروت 1983) وأبو حسن سلامة (قتله الإسرائيليون ببيروت ـ شارع فردان يوم 19 كانون الثاني 1979) وقت انعقاد المجلس الوطني في دمشق!
أبو حسن هو رجل عرفات الأمني، بل ابنه غير البيولوجي (والده هو القائد الثوري حسن علي سلامة، شهيد نضال ما قبل النكبة)، وكانت بين القائد ومساعده ثقة تامة، والأخير لعب قناة اتصال أميركية مع عرفات.
كان أبو حسن سلامة يؤمن أن النضال سيفضي إلى مفاوضات، وإلى تسوية عادلة مع الإسرائيليين.. لكنه كان قائداً أمنياً، بارعاً ووسيماً، يحمّله الإسرائيليون مسؤولية "عملية ميونيخ" الشهيرة 1972، ويلقبونه بـ"الأمير الأحمر" لأنه ابن عائلة وسليل والده الثائر ـ الشهيد، ولأنه ذو ميول يسارية.
المهم، أن أبو حسن كان يفهم العلاقة الأمنية مع أميركا بأنها تخدم الكفاح الفلسطيني نحو اعتراف أميركا بالمنظمة (تأخر عشر سنوات حتى العام 1988 بلقاء بلليترو ـ عبد ربه) ومن ثم بالدولة الفلسطينية.
الأميركيون فكروا على نحو آخر: أن يكون القائد الفلسطيني رجلهم في المنظمة، وعرضوا عليه مبلغ 300 ألف دولار، ثم شيكاً مفتوحاً، ثار غضب أبو حسن الذي رمى الشيك وقال: "لا أحد في هذا العالم يمكن أن يعطيني شيئاً لا تعطيني إياه ثورتنا".
صلة آيمس ـ أبو حسن أثمرت بتصريح الرئيس كارتر في أسوان عن "وطن للاجئين الفلسطينيين".. وهذه أول مرة يتحدث فيها رئيس أميركي عن "وطن فلسطيني".
تتويج هذا كان 1974 عندما أصر عرفات على تمنطق مسدسه في قاعة الجمعية العامة، فتوصل أبو حسن إلى اتفاق ليحمل أبو عمار جراب المسدس فارغاً من المسدس (لاحقاً في كامب ديفيد 2000 قال عرفات: أعطوني دولة ألبس بدلة مدنية).
الإسرائيليون أرادوا معرفة هل أبو حسن صار "عميلاً" للأميركيين، وهؤلاء فهموا أنه يجب حماية أبو حسن من "الموساد"، وقالوا للإسرائيليين: "لا جواب هو الجواب".
لو قال الأميركيون: "نعم" هو "عميل" للـ "سي. آي. إيه" لكانوا يكذبون، وحاول آيمس أن يدفع عرفات إلى الكذب، لكن أبو حسن قال: "لا يمكن.." واختار المخاطرة بأن يقتله الإسرائيليون.
تلقى أبو حسن تحذيراً، يوم اغتياله، من بشير الجميل قائد الكتائب (الرئيس المنتخب لاحقاً)، وهو صديق شخصي لأبو حسن، رغم الحرب اللبنانية ـ الفلسطينية، لأن درجة من التنسيق الأمني كانت ضرورية لإخماد الحرب ما أمكن (لاحقاً هذه الصلة أفادت الفلسطينيين خلال حصار بيروت 1982) بشراء أسلحة كتائبية مموّهة بشاحنات الخضار.
لماذا اغتال الإسرائيليون أبو حسن؟ هل بسبب "ميونيخ" أم لأن العلاقة الأمنية مع الأميركيين كانت في نظر الإسرائيليين خطوة نحو "رؤية عرفات في البيت الأبيض"، كما يقول مسؤول رفيع في المخابرات الأميركية.
المهم هو علاقة الأمن بالسياسة، وعلاقة ذلك بالنضال السياسي نحو اعتراف أميركا بمنظمة التحرير الفلسطينية.. ولاحقاً بحق الفلسطينيين في دولة خاصة بهم.
أبو إياد، رئيس المخابرات الفلسطينية لمنظمة التحرير كان على "علاقة" أمنية بالمخابرات الأوروبية في مواجهة "متطرفين" فلسطينيين وعرب وأجانب، ولم يكن "عميلاً" بالطبع، ولكنه كان أحد فرسان الواقعية والاعتدال في منظمة التحرير الفلسطينية.. ورجل أمن المنظمة الأول.
لذلك، فإن ابو مازن يواصل قيادة "الاعتدال" و"الواقعية" السياسية ولو تطلبت تنسيقاً أمنياً مع الإسرائيليين قد يفهمه البعض على غير ما هو عليه.
يشرّف الفلسطينيين أن قيادتهم الأمنية والسياسية لا يوجد فيها "عميل" قيادي سياسي أو أمني لأي جهة كانت.. لكن الواقعية والاعتدال السياسي والأمني تُفهم على غير النحو الصحيح.
أتذكر أبو حسن سلامة: مسدسه في نطاقه، وفي كف يده اليسرى علبة سكائر "مارلبورو" وولاّعة رخيصة.. وهذا الألق والجمال الثوري والولاء التام للقضية الوطنية والثقة مع القائد العام، بما لا يمنع تنسيقاً مع الأميركيين وآخر مع الكتائبيين.. ورؤية أن الكفاح سيفضي إلى مفاوضات سياسية.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأمير الأحمر وجذور الاعتدال الأمير الأحمر وجذور الاعتدال



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:45 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 15:27 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

علي ليو يتوج بلقب "عراق آيدول" الموسم الأول

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:28 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 09:37 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 14:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

متوسط أسعار الذهب في أسواق المال في اليمن الجمعة

GMT 19:03 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منى عبد الوهاب تعود بفيلم جديد مع محمد حفظي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon