يـوم عـشـتـه ولا أنـسـاه

يـوم عـشـتـه ولا أنـسـاه

يـوم عـشـتـه ولا أنـسـاه

 لبنان اليوم -

يـوم عـشـتـه ولا أنـسـاه

حسن البطل

لشاعرنا القومي هذه العبارة من تلك القصيدة: "المكان ـ الشيء إن دلّ عليّ"، لعلّها أوحت لي بأن الشاعر: "يمشي المكان في المكان إلى المكان/ وأنت يُمشيك الزمان"! مشاني الزمان من 4 آب 1982 إلى 4 آب 2014. عشت وعاش معي البيارتة جحيماً في الرابع من آب 1982، أين منه فيلم "الهول الآن". في ذلك اليوم المجنون، من تلك الحرب المجنونة، لم يتوقف القصف الإسرائيلي.. حتى لكسور الدقيقة: جواً، براً وبحراً (وهذا الأخير أكثرها إرعاباً). في ذلك اليوم الوحيد لم تصدر جريدة "فلسطين الثورة" اليومية، ومن ثم كان اليوم الوحيد الذي غاب عنها عمودي اليومي المعنون "في العدو". في اليوم التالي، سأل أبو عمار: أين عدد الجريدة؟ اطبعوه ووزعوه مع عدد اليوم التالي.. وهكذا كان، لكنه العدد الوحيد الذي ينقص مجموعة مقالاتي عن يوميات حرب 1982. في اليوم التالي، علمنا أن الرابع من آب هو يوم ميلاد عجيب: لياسر عرفات ومناحيم بيغن، أو أنه تصادف مع عقدة تفاوضية واجهها الوسيط الأميركي فيليب حبيب! لم يكن بوسعي أن أحمل أعداد الجريدة في تلك الحرب، لأن جعبة الخروج الوحيدة لا تكفي إلاّ لملابس مدنية قليلة.. وإلى الآن تراودني فكرة إعادة نشر يوميات حرب استمرت 88 يوماً، صدر فيها 83 عدداً (ريثما دبرنا مقراً للجريدة اليومية، بعد أن استشهد العدد الأسبوعي المرقوم 924 تحت ركام مطبعة الكرمل ـ أبو شامخ). جريدة الحرب لم تصدر يوماً واحداً لا غير خلال الحرب، لكن جرائد "النهار" و"السفير" و"النداء" لم تصدر عدة أيام خلال الحرب.. وللتاريخ، فإن مؤونتها من الورق، وكذا من المحروقات كانت مساعدة زمالية من احتياطي "فلسطين الثورة" ورقاً، واحتياطي المنظمة من المحروقات لمولّدات الكهرباء. يذكرون جريدة "المعركة" وجريدة "الرصيف" لكن جريدة "فلسطين الثورة" كانت جريدة يومية، خلاف غيرها من الجرائد التعبوية، ومن ثم كان يلزمنا الحصول على مصادر صحافية مثل: نشرة رصد إذاعة إسرائيل اليومية (ر إ. إ) الصادرة يومياً عن مركز الأبحاث ـ م. ت. ف، ووكالات الأنباء اللبنانية (كانت نشرات يومية وليس على الكمبيوتر والإنترنت). في الأيام الأولى من الحرب، نزلنا من الطابق الثالث إلى الطابق الأرضي حيث المخزن، لكن القصف العنيف على منطقة الجامعة العربية كان يمنع حركة ضرورية.. ومن ثم انتقلنا إلى "عمارة الحمرا ـ سنتر" في شارع الحمراء، وهي كانت العمارة الأعلى لكنها فرغت من قاطنيها بعد أن لجأ العدو إلى تدمير عمارة العكر بقنابل فراغية لاغتيال عرفات (تشفط الهواء، وتنهار الطبقات على بعضها كأنها صفحات كتاب) وكان في العمارة بشارع الحمراء مقر قيادة تبادلي للقائد العام. كانت أقلامنا تهتز بأيدينا، أو نرمي أنفسنا تحت طاولات الكتابة مع كل انفجار قريب، خشية أن يدمر العدو هذه العمارة بقنابل فراغية.. فنقضي تحت ركام عشر طبقات. كان اليوم الثاني في عنف القصف هو يوم 12 آب، الذي سبق اتفاق الخروج الفلسطيني من بيروت، وبعده حتى 21 آب كانت هناك هدنة "مقلقزة" كما يقول اللبنانيون حتى خرجت أفواج الفدائيين من ميناء بيروت.. وكنّا في "فلسطين الثورة" الفوج قبل الأخير، بينما رحلت القيادة قبلنا، ومن ثم شعرنا بخوف شديد من خلو الشوارع من الفدائيين، واحتمال اجتياح الجيش الإسرائيلي بيروت الغربية، انطلاقاً من بيروت الشرقية المحتلة، علماً أن مساحة بيروت الغربية ـ الحرة كانت لا أكثر من 9 كم2. يقال إن قائد المدرعات الإسرائيلي اللامع، العقيد ايلي غيفع نظر بتلسكوبه إلى بيروت الغربية، فوجد فيها أطفالاً وحياة، فرفض أوامر شارون باقتحامها، لأنها ستكون مذبحة للجميع، رغم محاولات بيغن الشخصية لثنيه عن قرار الإحجام عن الاقتحام. للمعلومات: لغّم الفدائيون بنايات المحور الوحيد لتقدم دبابات ايلي غيفع، وهو شارع المزرعة الذي يربط بيروت الشرقية بالغربية. إذا كان يوم 4 آب 1982 لا يُنسى، فإن ما لا أنساه هو يوم رهيب تساقطت فيه ديدان القبر على ملابسي ورأسي. وهاكم القصة: ابنة جاري "أبو غارو" الأرمني صفعتني بسؤال: رضيعي يحتاج ماءً للحليب، ولا حليب كافيا في صدري.. وعلى الفلسطينيين أن يدبّروا لي صندوق ماء معدني (صحة).. وهكذا، ذهبنا صديقي علي اللبناني الشيعي ـ وكان في ضيافتي ـ وأنا إلى حي السلّم، حيث بيته المهجور ومخزن لقناني المياه. كانت العمارات تحتمي من القصف ببراميل ملأى بالرمل في مداخلها، لكن في تلك العمارة بحي السلّم (أو الليلكي) سقطت في البرميل قنبلة، وكان أحد السكان قد أطلّ مصادفة من قرب المصعد، فأطاحت الشظايا بالقسم العلوي من جسمه وعلّقته في السقف. لما تقدمت.. صرخ بي صديقي أن أبتعد، فإذا بديدان القبر تسقط على قميصي وشعري الكثيف وقتها، وتتفعص مع رائحتها الكريهة مثل "الفاسياء" عندما أحاول تنظيف شعر رأسي. إنها تتحرك بشكل حرف "أوميغا" الإغريقي.. أو تنغل في الجثّة. *** "المكان الشيء إن دلّ عليّ" أو "يمشي المكان في المكان إلى المكان/ وأنت يُمشيك الزمان" .. من حرب إلى حرب، ومن حرب لبنان وبيروت إلى حرب الانتفاضة الثانية.. إلى جولة الحرب الحالية في غزة. الرابع من آب 1982 عشته ولا أنساه.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يـوم عـشـتـه ولا أنـسـاه يـوم عـشـتـه ولا أنـسـاه



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:45 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 09:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:48 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

أبرز العطور التي قدمتها دور الأزياء العالمية

GMT 15:27 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

علي ليو يتوج بلقب "عراق آيدول" الموسم الأول

GMT 11:57 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

برومو ”الاسكندراني” يتخطى الـ 5 ملايين بعد ساعات من عرضه

GMT 16:26 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:28 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 09:37 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

طرق تنظيم وقت الأطفال بين الدراسة والمرح

GMT 14:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

متوسط أسعار الذهب في أسواق المال في اليمن الجمعة

GMT 19:03 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منى عبد الوهاب تعود بفيلم جديد مع محمد حفظي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon