وليد شقير
كالعادة، استقبل النظام في سورية الممثل الخاص الدولي العربي الأخضر الإبراهيمي بالمجازر المروعة في حلفايا وريف حماة وحلب والرقة ودير الزور وريف دمشق، وبمزيد من التدمير الممنهج، لإبلاغ من يجب أنه لن يتراجع قيد أنملة، مهما أظهر من استعداد للبحث في الأفكار التي طرحها عليه بإحالتها على لجنة من القيادة لدراستها، وأنه سيتمسك بالسلطة مهما كان الثمن، وأن تقدم معارضيه على الأرض لا يعني أنه غير قادر على الصمود وإلحاق الكثير من الأذى بهم وبالشرائح الاجتماعية والشعبية التي يسيطرون عليها بحيث تستحيل البلاد دماراً وأرضاً مخضبة بدماء الأبرياء لاستدراج ردود الفعل الطائفية.
وهو ودّع الإبراهيمي بمثل ما استقبله. وسيرافقه خلال زيارته موسكو غداً بالأنباء المروعة، وبفزّاعة الحرب الأهلية التي نجح على مدى 21 شهراً من الأزمة في إرساء أساسها الميداني، رداً على فكرة الحكومة الانتقالية «الكاملة الصلاحيات» التي اقترحها عليه الثلثاء الماضي، والمستمدة من التفاهم الأميركي – الروسي على صيغة تنفيذية لخطة «مجموعة العمل من أجل سورية» التي أقرت في جنيف في 30 حزيران (يونيو) الماضي، ولم تجد طريقها الى التنفيذ بسبب رفض الأسد ترجمتها الى أفعال، ما أدى الى استقالة المبعوث السابق كوفي أنان في تموز (يوليو) الماضي، وإلى سحب المراقبين الدوليين، الذين تعرضوا للمضايقات من قوات النظام، على رغم أن خطة جنيف تدعو الى تأمين سلامتهم والتعاون معهم.
وإذا كان التوافق الغربي – الروسي على صيغة لترجمة خطة جنيف تعذر قبل 6 أشهر، فإن التقدم الذي أحرزته المعارضة كان عنصراً ضاغطاً هذه المرة، مع الإبراهيمي من أجل البحث عن المساحة الدولية المشتركة التي أصر عليها الديبلوماسي المحنك لمواصلة مهمته. بات المدافعون عن النظام يتحدثون عن عدم قدرة أي من الفريقين على الحسم، بعدما كانوا يقولون إن النظام سيحسم المعركة لمصلحته. حتى طهران باتت تقول إن «الاشتباكات العسكرية بلغت طريقاً مسدوداً» بعدما توقعت ومؤيدوها، خصوصاً «حزب الله»، انتهاء المعارك لمصلحة جيش الأسد وميليشياته. المراهنة على تفوّق النظام حالت دون ترجمة خطة جنيف بالمرحلة الانتقالية من دون الأسد لأن موسكو كانت، مثل طهران، مع مرحلة انتقالية باستمرار الأسد في السلطة حتى 2014. وتراجع هذه المراهنات على تفوق قواته على المعارضة واستعادته الأرض هو الذي أتاح اقتراح أفكار من النوع الذي طرحه الإبراهيمي على الأسد وتقضي بأن يوافق الرئيس السوري على أن تتولى الحكومة الانتقالية كل صلاحيات الدولة، بما يعني أن يبقى رئيساً لشهور قليلة من دون صلاحيات. وهي صيغة مركبة توفق بين موقف موسكو السابق بأن يكون الحل بوجود الأسد، وموقف الغرب بأن الحل يشمل تنحيه. وهو الحل الذي يشبه النموذج اليمني.
يدور الكثير من المناورات في وقت بلغت مهمة الإبراهيمي مرحلة مفصلية، عليها يتوقف إمكان تجديد الحياة في خطة جنيف، أو الإقرار بعدم صلاحيتها. الخيار الأول يجدد الحد الأدنى من التوافق الدولي الذي تحرص عليه موسكو وواشنطن، والثاني يجسد انتقال الصراع بينهما الى مرحلة جديدة. وهو خيار لا يبدو أن القوى العظمى تفضله. ولهذا السبب يمكن القول إن اقتراحات الإبراهيمي تشكل الوسيلة التي تضمن إحياء خطة جنيف التي كانت في حال «كوما» خلال الأشهر الستة الماضية. وما قول الإبراهيمي إن في خطة جنيف ما يكفي من العناصر إلا محاولة منه للقول إنه يمكن الانطلاق منها لاقتراح الحلول. فهي تنص في الفصل الثاني منها على «قيام جسم حكومي انتقالي يتمتع بسلطة تنفيذية كاملة تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومجموعات أخرى تتشكل برضى متبادل». وفي ما يخص إعلان الإبراهيمي أمس أن أفكاره تضمنت انتداب قوات حفظ سلام الى سورية، يذكر أن خطة جنيف نفسها كانت في الفصل الرابع منها أشارت الى أن مجموعة العمل الدولية ستقدم الدعم لتطبيق الاتفاق بين الأطراف (السوريين) و «هذا يمكن أن يشمل وجوداً دولياً مساعداً بانتداب من الأمم المتحدة إذا طُلب ذلك...». وحين يقول الإبراهيمي إن خطة جنيف قد تتطلب تعديلاً، فهذا قد يشمل هذه النقطة بالذات لتكون أكثر وضوحاً لجهة إرسال هذه القوات من دون أن يُطلَب ذلك (من السلطات السورية)، طالما أن الإبراهيمي قال إن البديل لعدم القبول بأفكاره هو إصدار قرار ملزم للأطراف السورية في مجلس الأمن.
أمام الإبراهيمي أيام صعبة لتحويل أفكاره الى سلة اتفاق دولي، لا سيما أن طهران قالت علناً إنه «لا يمكن تقديم أي حل خارج المبادرة الإيرانية» التي تقترح حواراً يقود الى لجنة مصالحة، توفر الأرضية لحكومة انتقالية، تبدو في المرتبة الثالثة من الخطوات التي تقترحها، قياساً الى ما يقترحه الإبراهيمي بالتنسيق مع موسكو وواشنطن.
هل يعني الاعتراض الإيراني أن الولوج الى مرحلة جديدة من إدارة الأزمة يتطلب نقلة جديدة في الأوضاع الميدانية، وتحديداً في دمشق مع ما يعنيه ذلك من مجازر جديدة ودمار فظيع؟
نقلاً عن جريدة "الحياة"