وليد شقير
سيتعين على واشنطن وموسكو إيجاد تسويات أخرى على التسوية التي توصلتا إليها بصدور قرار مجلس الأمن 2254، الأسبوع الماضي، لأن نصوصه، بمقدار ما كانت واضحة في بعض الجوانب، أحاط الغموض المقصود بجوانب أخرى تتطلب من أجل تطبيقها اتفاقات تسمح بتفنيذها، وإلا يكون استمرار الخلاف عليها سبباً لتقويض محاولات الحل السياسي التي يعد الكبار بأن توضع على السكة التفاوضية الشهر المقبل. والغموض الذي تتصف به بعض العبارات لا يمكن وصفه بالغموض البنّاء في ظل دينامية غير مسبوقة تاريخياً للمحرقة والمجزرة السوريتين، المتواصلتين منذ 5 سنوات.
فالقرار الأخير هو الثالث عشر في سلسلة القرارات الصادرة عن مجلس الأمن حول الحرب في بلاد الشام، صدرت تباعاً، قبل أن تتحول سورية ساحة مواجهة عسكرية بين السوريين المعارضين المسالمين والسلميين، وبين الآلة الوحشية للنظام. ثم بعد تحولها حرباً إقليمية - دولية، بل كونية تشمل بين ما تشمل مكافحة الإرهاب و «داعش» و «جبهة النصرة»، فتتشكل بسببها التحالفات الدولية، والإقليمية، والإسلامية، والمحاور التي تفرز الدول، بحيث تداخلت هذه التحالفات، وتعارضت في شكل بات يصعب معه الجزم بوجود وحدة موقف دولي إزاء مشروع الحل السياسي للأزمة التي فاضت عن حدودها نحو دول الغرب، فضلاً عن دول المنطقة ذاتها...
وقد تكون مفيدة أيضاً العودة إلى عدد البيانات الرئاسية الستة الصادرة عن مجلس الأمن التي تبنت إجراءات أو خطوات دعا إليها الموفدون الدوليون الثلاثة الذين استهلكت سورية أدوارهم، فضلاً عن التذكير بأن بين القرارات الدولية اثنين أرسل بموجبهما مراقبون عسكريون لوقف النار وتقديم المساعدات للمحاصرين. وتشمل العودة بالذاكرة أيضاً القرارات التي اتخذت في الجامعة العربية والمبادرات التي أطلقتها للحل في سورية ومن بينها إرسال المراقبين العسكريين. وكلها أفشلها النظام على طريق تحضيره لإطلاق موجات الإرهابيين على أشكالهم ليكونوا الفريق العازل بينه وبين معارضيه.
وعلى رغم ذلك كله، كرّس القرار 2254، بيان جنيف الصادر عام 2012 مرجعية رئيسة للحل السياسي، والذي عماده قيام هيئة الحكم الانتقالية الجامعة التي تخول سلطات تنفيذية كاملة مع أن موسكو سعت إلى تجنب ذكر هذا البيان. لكنه أبقى على الغموض في شأن طريقة قيام هذه الهيئة بعبارة: «تعتمد في تشكيلها على الموافقة المتبادلة»، ما يترك مجالاً لتأخير قيامها إذا رفضها رموز النظام... وهو كرر ما نصت عليه القرارات السابقة من «تحميل السلطات السورية المسؤولية الرئيسة عن حماية سكانها...». لكنه أبقى الباب مفتوحاً من أجل إلصاق المجازر التي ترتكب في حق المدنيين بالإرهاب بدل النظام.
مقابل كل عبارة واضحة في القرار هناك استدراك يتيح للنظام ومن يقف وراءه، من موسكو إلى طهران، التملّص من الوضوح. فكفالة القرار «للانتقال السياسي» تتطلب أن «يمتلك السوريون زمامها». والنظام لم يتوقف عن طلب وقف تدخل دول بعينها، لا سيما تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر كي يسوّغ لنفسه عرقلة أي انتقال سياسي...
ثمة حواجز كثيرة تقف في طريق التطبيق، قبل أن يلج الفريق الدولي المكلف وضع آليات تنفيذه إلى مسألة مصير بشار الأسد، ناهيك بالحواجز المتعلقة بتحديد المنظمات الإرهابية التي تتوجب محاربتها من النظام والمعارضة معاً.
وإذا كانت القاعدة الأبدية هي أن تنفيذ أي قرار يتوقف على ميزان القوى على الأرض، فإن المهلة المعطاة للبدء في تنفيذ وقف النار بين المعارضة والنظام، تتراوح بين 4 و6 أشهر، بمقدار تقدم المفاوضات بين الفريقين، والمؤمل أن تبدأ الشهر المقبل في جنيف. إنها مهلة إضافية أخذتها موسكو في سياق محاولتها تصحيح ميزان القوى، تارة عبر القصف الهمجي لمناطق المعارضة والتي تزهق المزيد من أرواح المدنيين وأخرى عبر «المصالحات» التي يرعاها النظام والجانب الإيراني، والتي تقود إلى فك الحصار عن مناطق ينسحب بنتيجته مقاتلو المعارضة منها. وهي مصالحات تتم في المدى الجغرافي الذي يسمح بضمان الصفاء في «سورية المفيدة»، حيث السيطرة للنظام. فهل تكون الآلية المزمع إنشاؤها، تكريس تقسيم مناطق النفوذ، بعد اتضاح خريطتها على الأرض تحت سقف التفاوض؟
الخشية هي من أن يمهّد هذا القرار لقرار جديد يحدد آلية وقف النار بإرسال قوات دولية تثبّت هذه المناطق، وفق هوية الدول التي سترسل جنودها.