الهروب الكبير

الهروب الكبير

الهروب الكبير

 لبنان اليوم -

الهروب الكبير

حسن نافعة
تابعت على الهواء مباشرة وقائع «مؤتمر نصرة الشعب السورى» كما نقلتها كاميرات التليفزيون الرسمى. طافت هذه الكاميرات فى البداية بين جنبات الاستاد، فبدا ممتلئاً عن آخره، ثم راحت تتجول بين وجوه الحاضرين وتنقل جانباً من هتافاتهم، فخيل إلى أنهم مواطنون جاءوا من مختلف أنحاء مصر للمشاركة فى مؤتمر انتخابى (لنصرة الدكتور مرسى وليس بالضرورة لنصرة الشعب السورى). وما إن وصل الرئيس وبدأ الخطباء يتناوبون على الميكروفون حتى انتابنى شعور طاغ بالقلق واجتاحنى إحساس عميق بالأسى. هتفت من داخلى: يا إلهى، هل هذه هى مصر التى أعرفها أو مصر التى تمنيتها بعد الثورة؟ وقلت لنفسى: لا يمكن أن تكون هذه هى مصر التى أعرفها، مصر التى تمنيتها، قد يكون ما أراه بعض مصر، لكنه لا يمكن أن يكون هو مصر. كان المشهد الذى أراه أمامى، والذى تعكسه وجوه وهتافات وكلمات، ينضح بالتحزب والتعصب والطائفية، ولأنه خلا من ممثلين للجيش، وللأزهر الشريف، وللكنيسة القبطية، لم أحس، ولو للحظة واحدة، أنه يعبر عن مصر وعن روحها الحقيقية، على الرغم من تصدر رئيس الدولة صفوفه الأمامية. فهل أبالغ إن قلت إن مصر بدت لى فى هذه اللحظة مخطوفة وأسيرة، وإننى دعوت الله أن يعيد خاطفيها إلى رشدهم وأن يفك أسرها؟ مرت لحظات كالدهر قبل أن يأتى الدور على الرئيس، وما إن أمسك الرجل بالميكروفون حتى وضعت يدى على قلبى، ثم رحت أهتف بطريقة لا إرادية: اللهم إنى لا أسألك رد القضاء، لكن أسألك اللطف فيه. كان الخطاب ركيكاً وغير متماسك كالعادة، لكنه احتوى مع ذلك على مواقف محددة، أهمها: 1- قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام السورى. 2- مطالبة حزب الله بالانسحاب الفورى من الأراضى السورية والتعامل معه منذ الآن فصاعداً باعتباره عدواً «لأنه يعتدى على الشعب السورى». 3- الدخول فى مشاورات مع الدول العربية والإسلامية لعقد مؤتمر قمة لنصرة الشعب السورى. فيما عدا تلك المواقف المحددة من الأزمة فى سوريا، بصرف النظر عن مدى جدواها وتأثيرها على مسار هذه الأزمة فى المستقبل، جاء الجزء الخاص بسوريا فى خطاب الرئيس مهلهلاً ومليئاً بالمتناقضات. فتارة يتحدث الرئيس عن تمسك مصر بمبدأ عدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول ورفض التدخل الأجنبى فى شؤون سوريا، وتارة أخرى يتحدث عن واجب «نصرة المستضعفين»، وعن ضرورة رحيل بشار الأسد، ويطالب مجلس الأمن بإعلان حظر الطيران فوق سوريا. إذا حاولنا أن نلخص موقف مصر الراهن من سوريا فسوف نقول إنها تخلت عن السعى لوقف نزيف الدم، وعن البحث عن تسوية سياسية للأزمة، وأعلنت نفسها طرفاً فى المواجهة المسلحة الدائرة حالياً على الأرض السورية، التى يشارك فيها مقاتلون من أكثر من 50 دولة. ولأن الصراع الدائر فى سوريا وعليها الآن لم يعد صراعاً محلياً بحتاً، وأصبح صراعاً إقليمياً ودولياً فى الأساس، فقد اختار نظامها الحاكم الآن أن يقف فى نفس الجانب الذى تقوده على الصعيد الدولى كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى (فى مواجهة روسيا والصين) وتقوده على الصعيد الإقليمى إسرائيل (فى مواجهة إيران). ولا أظن أن هذا الموقف يحقق مصلحة وطنية مصرية. «نصرة سوريا» كان الشعار المعلن والهدف الظاهر من هذا المؤتمر، الذى لم يكن فى حقيقته سوى مناسبة لاستعراض قوة جماعة الإخوان والأحزاب المتحالفة معها، أملاً فى تخويف المعارضة، ولإثنائها عن قرارها بالنزول إلى الشارع يوم 30 يونيو المقبل. لم يفت الرئيس أن ينتهز الفرصة وأن يلوح، كعادته، باستخدام القبضة الحديدية فى مواجهة «مثيرى الشغب»، ووعد بأن «يأخذ العابثين بكل حسم». لذا أعتقد جازماً أن الرئيس وحلفاءه لم يكونوا مخلصين فى نصرة الشعب السورى، وإنما سعوا لتوظيف الأزمة السورية واستخدامها وسيلة للهرب من استحقاقات داخلية ضاغطة، ولإلهاء المواطنين عن المشكلات الخانقة التى يواجهونها فى حياتهم اليومية. سيادة الرئيس: لن تستطيع أن تفعل شيئاً أو تلعب دوراً على الصعيدين الإقليمى والدولى يليق بشعب مصر إلا إذا كانت الجبهة الداخلية مستقرة ومتماسكة. ولأنها ليست كذلك على الإطلاق، فلن يجديك الهرب شيئاً. لا تهرب إلى سوريا سيدى الرئيس، وعد إلى مصر بأسرع ما يمكن، فالخطر يتربص بالجميع. نقلا عن جريدة المصري اليوم
lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الهروب الكبير الهروب الكبير



GMT 19:59 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عودوا إلى دياركم

GMT 19:58 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عفونة العقل حسب إيلون ماسك

GMT 19:57 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

المفتاح الأساسي لإنهاء حرب السودان

GMT 19:56 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا تناشد ‏الهند وباكستان تجنب «الانفجار المفاجئ»

GMT 19:55 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجيير الهزيمة

GMT 19:53 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا والخطر على الهوية الوطنية والسياسية

GMT 19:52 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا... «أطلس» يُحجّم ومونرو يُقدّم

GMT 19:51 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

الهجرة إلى التاريخ في زمن الهزائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 15:48 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

لا تتورط في مشاكل الآخرين ولا تجازف

GMT 09:49 2022 الجمعة ,11 آذار/ مارس

عطور تُناسب عروس موسم ربيع وصيف 2022

GMT 16:41 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لتناول غذاء صحي ومتوازن في أماكن العمل

GMT 03:47 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

تأجيل الاتفاق على الرقابة المصرفية لمنطقة اليورو

GMT 05:56 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

وزير الداخلية الأردني: سنعالج ملف العمالة الوافدة كلها
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon