الحل ليس محلياً فقط

الحل ليس محلياً فقط

الحل ليس محلياً فقط

 لبنان اليوم -

الحل ليس محلياً فقط

معتز بالله عبد الفتاح

أعجبنى تحليل الدكتور مأمون فندى بشأن تأصيل السؤال التالى:

هل ما نراه فى العالم العربى اليوم من فوران وعنف، هو نتيجة لتاريخنا الخاص، أم هو جزء من نتائج حركة التاريخ الكبرى للعالم؟ أى: هل هو ربيع عربى محلى -سواء أكان صادقاً أم كاذباً- جاء نتيجة لانهيار معمار الاستبداد فى بلداننا، أم هو جزء من ركام الحرب الكونية الباردة، التى فشلت الدول العظمى فى خلق نظام عالمى حاكم بعدها، كما كان الأمر فى حالة العالم فيما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية؟

يقول الدكتور فندى:

(الوصف الصحيح للظاهرة أو تشخيص المرض هو البداية الصحيحة للعلاج.

تفكك الدول لا يكون دائماً نتيجة فساد أو تفكك فى الداخل فقط؛ فدول شرق أوروبا تغيرت نتيجة لتقطع أوصال علاقتها بما كان يسمى «الاتحاد السوفياتى» أولاً، وأوضاعها الداخلية السيئة ثانياً. الشىء ذاته يمكن أن يقال عن منطقتنا، ولكن بصيغة مختلفة؛ إذ لم تتقطع أوصالنا مع الغرب والشرق. ولكن يجب ألا نغفل عما كانت تراه الاستراتيجية السوفيتية لمنطقتنا فى مواجهتها مع أمريكا. الاتحاد السوفيتى كان يسمى هذه المنطقة «المسرح الثالث للعمليات العسكرية»، فى حين كان يسمى أوروبا «المسرح الثانى»، وأمريكا الشمالية «المسرح الأول». ما معنى هذه التسميات؟ هذه التسميات كانت تعكس خطة الاتحاد السوفيتى لو اضطر لمواجهة أمريكا عسكرياً فى حالة نشوب حرب عالمية.. فإن استولى الاتحاد السوفيتى على آبار النفط فى «مسرح العمليات الثالث»، وهو منطقتنا، فإنه يجبر أمريكا على أن تحارب من على أرضها (المسرح الأول)، لا على «مسرح العمليات الثانى» الحليف لأمريكا فى أوروبا، لأنه بذلك يقطع النّفط عن أوروبا. كل هذا انتهى بنهاية الحرب الباردة، ولم تعد دول منطقتنا مشدودة بخيوط خارجية تحافظ على استقرارها، فتركت كل دولة حسب معادلة شرعيتها الداخلية، وسقطت الواحدة تلو الأخرى، ليس بتأثير الخارج كمؤامرة كما يدعى البعض، ولكن بتأثير الخارج الذى لم تعد هذه الدول محل اهتمامه فتركها لمصيرها.

إذن معادلة «الربيع العربى» ونهاية الأنظمة التى كانت معتمدة كثيراً على الخارج، كانت نتيجة تفاعل العوامل الخارجية والداخلية معاً، وربما بشكل أكبر الخارجية. وكانت تعلن شهادة وفاة الأنظمة من واشنطن، حتى المتظاهرون فى شوارع القاهرة أو تونس أو صنعاء كانوا ينتظرون ما الذى سيعلن عنه البيت الأبيض فى ما يخص مصير رؤسائهم الذين يتظاهرون ضدهم.

النقطة التى أود التركيز عليها هى أن الحرب الباردة لم تكن أقل من الحروب الكبرى، فى تغيير لوحة الشطرنج العالمية، وأن ما نراه الآن ليس ربيعاً فقط، وإنما هو بقايا الحرب الباردة وركامها.

كنس هذا الركام وتنظيفه لا يحتاجان إلى برلمانات ودساتير محلية فقط، بل يحتاجان أيضاً إلى نظام أمنى عالمى وإقليمى جديد يضبط الأوضاع على المستويين العالمى والإقليمى. فى غياب هذا النظام، سنرى ما نراه فى سوريا، حيث تتدخل دولة مثل روسيا بطريقة خشنة للحفاظ على مصالحها، وسنرى تدخلاً إيطالياً أو فرنسياً فى ليبيا.

«الربيع العربى»، فى جزء كبير منه، هو من تبعات نهاية الحرب الباردة، وعلى الدول التى تتدخل بشكل منفرد أن تلتزم بموقف أخلاقى تجاه منطقة تهوى فيها الدولة بعد الأخرى فى مستنقع الفوضى، وذلك لغياب نظام إقليمى أو عالمى ضامن للاستقرار.

اللافت للانتباه والحيرة أن الغرب قرع أجراس الخوف من البرنامج النووى الإيرانى، وسعى بكل ثقله لأن يجد الحل ضمن تصور عالَمِى أكبر فى صيغة «خمسة زائد واحد»، بينما لا يرى انهيار الدول فى منطقتنا وفشل بعضها ضمن تصور عالمى أوسع!

بداية فهمنا لما حدث فى بلداننا، هى معرفة حقيقة ما حدث، كى نصل إلى تحليل دقيق، فهل ما حدث كان نتيجة لتاريخ محلى مغلق، أم إن منطقتنا جزء من تاريخ عالمى أوسع، وما حدث عندنا كان، ولا يزال، مرتبطاً بتموجات عالمية حدثت منذ فترة، وللتو وصلت شواطئنا؟

الإصرار على أن ما حدث نتيجة تاريخنا الخاص يجعل حلول المشكلة محدودة، ويؤدى إلى تكرار الأزمات بشكل أسوأ. التوصيف الدقيق للأزمة والمرض هو البداية الصحيحة فى طريق العلاج).

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحل ليس محلياً فقط الحل ليس محلياً فقط



GMT 10:43 2019 الجمعة ,08 شباط / فبراير

سؤال الأسئلة: لماذا جاء «ترامب» للحكم؟

GMT 06:57 2018 السبت ,22 كانون الأول / ديسمبر

فى واشنطن: مطلوب عملاء لا أصدقاء

GMT 03:49 2018 الخميس ,23 آب / أغسطس

ديمقراطيون وليسوا ليبراليين

GMT 06:32 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حوار مع المشير (2)

GMT 06:23 2017 الأربعاء ,26 تموز / يوليو

خديعة تعريف الإرهاب

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon