السياسة قتلت الإنسانية في مصر

السياسة قتلت الإنسانية في مصر

السياسة قتلت الإنسانية في مصر

 لبنان اليوم -

السياسة قتلت الإنسانية في مصر

معتز بالله عبد الفتاح

تعليقات الناس على أحكام البراءة بالأمس مقلقة. عن نفسى، أرى كثرة فى خلق وندرة فى الخُلُق. أنا زهقت. وهذا ليس غريباً، فبعد سنوات من محاولة إصلاح شئون السياسة فى مصر وبلدان المنطقة، وصل الإمام محمد عبده إلى مقولة: «لعن الله ساس ويسوس وسائس ومسوس». أى أن الرجل رفض كل السياسة بما لها وما عليها.

لماذا؟ لأن السياسة فى أغلب الأحيان تتعارض مع الأخلاق، وتجعلك تفاضل بين صنوف الشر ودرجاته؛ فمهما فعلت هناك شر واقع لا محالة، والمتضررون منه لا يرون أنك اخترت «أهون الشرين وأخف الضررين».

تعالوا أعرفكم على الفيلسوفة البريطانية Philippa Ruth Foot التى وضعت لنا معضلة كبيرة فى عام 1967، حين طلبت منا أن نتخيل شيئاً من هذا القبيل: ماذا لو أنت سائق سيارة ضخمة واكتشفت فجأة أنها بلا فرامل، وبالنظر أمامك اكتشفت أن خمسة أشخاص سيموتون قطعاً بسبب هذه السيارة، وفجأة وجدت مخرجاً وهو أن هناك امرأة تقود سيارة فى الاتجاه المضاد ويبدو أنها وحدها، وبالتالى لو اتجهت بالسيارة فى مواجهتها فستقتلها هى فقط. الوقت يجرى وأمامك 20 ثانية لتتخذ قرارك بأن تضحى بالسيدة منفردة أو بالخمسة أشخاص.

ماذا تختار عزيزى القارئ؟

يقول أساتذة علم النفس الإدراكى الذين أرادوا اختبار ردود فعل البشر تجاه مثل هذه المعضلة: إن أغلب الناس اختاروا بديل قتل السيدة عن قتل الخمسة أشخاص، ولكن الاختيار كان صعباً للغاية والتردد كان فى قمته.

ماذا لو أنك طبيب أمامك أسرة من خمسة مصابين فى حادث، وكل واحد فيهم يريد جزءاً معيناً من جسم الإنسان حتى يعيش، وإلا فالموت للخمسة أشخاص، وجاءك شخص تتناسب أنسجة جسمه وفصيلة دمه مع الأشخاص الخمسة، هل يمكن لك كطبيب أن تقتل شخصاً لتحمى أسرة من خمسة أشخاص؟

ماذا لو أنك أقسمت ألا تقول إلا الصدق، وحافظت على القسم والمبدأ معاً قرابة 20 عاماً، وأنت فى مكان عام وجدت رجلاً يجرى لاهثاً باحثاً عن مكان آمن، فقلت له: اذهب وراء هذا الجدار، وجاء من يجرى ومعه مسدس يبحث عن الشخص الآخر ويسألك: أين هو؟ أمامك أحد اختيارين: إما أن تقول الحقيقة التزاماً بالمبدأ والقسم، أو أن تكذب حفاظاً على روح شخص أنت لا تعرف هل هو مجرم أم برىء.

وفى التاريخ الإسلامى مبادئ مشابهة، مثل قول الفقهاء: «الواجب تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما»، أى أن يتحمل أحدنا المفسدة الأقل تجنباً للمفسدة الأكبر. ولو نتذكر، فهذا ما قاله الدكتور أحمد الطيب فى كلمته فى الثالث من يوليو 2013.

مصر الآن فى حالة زواج بالإكراه بين طرفين يكره بعضهما بعضاً، وأنا لا أتحدث عن اختلاف فى وجهات النظر: هناك حالة كراهية، ورغماً عن كل محاولات الإنسان ألا يشرب من نهر الكراهية، وألا يبادل الآخرين الإساءة بالإساءة، فهناك من يدفعنا جميعاً دفعاً إلى حالة من الكراهية الجماعية، والسؤال: كيف سنعمل معاً من أجل مستقبل أفضل وأمامنا هذا الكم من التحديات؟!

السياسة قتلت الإنسانية فى مصر. أن نعتاد أن نرى مصريين غارقين فى دمائهم، فهذا مؤشر على «اللا دولة»، وأن نسأل: «هل مننا ولا منهم؟»، فهذا مؤشر على «اللا مجتمع»، وأن نستخف بالأمر، فهذا مؤشر على «اللا إنسانية».

قيل: من وسع علمه قل إنكاره. وقيل: {وَقُلْ لِعِبَادِى يَقُولُوا الَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ}. ولكن هذه أقوال تحتاج إلى رجاحة عقل وصفاء نفس. قولوا يا رب.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السياسة قتلت الإنسانية في مصر السياسة قتلت الإنسانية في مصر



GMT 18:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 18:15 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 18:09 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 18:05 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 18:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

GMT 17:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الشريك المخالف

GMT 17:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 17:48 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم العالمى للقضاء على العنف ضد المرأة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 10:23 2022 الثلاثاء ,17 أيار / مايو

توبة يتصدر ترند تويتر بعد عرض الحلقة 26

GMT 15:53 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

بحث جديد يكشف العمر الافتراضي لبطارية "تسلا"

GMT 12:55 2021 الإثنين ,02 آب / أغسطس

وضعية للهاتف قد تدل على خيانة شريك الحياة

GMT 16:06 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

دكتوراه لراني شكرون بدرجة جيد جدا من جامعة الجنان
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon