العالم اتجنن والناس تعبت

العالم اتجنن والناس تعبت

العالم اتجنن والناس تعبت

 لبنان اليوم -

العالم اتجنن والناس تعبت

معتز بالله عبد الفتاح

يقول الدكتور مصطفى محمود من ٣٠ سنة:

نحن فى عصر الصراخ.. مدنية اليوم اسمها بحق.. مدنية الصراخ.. علاقة الحب صراخ.. وعلاقة الزواج صراخ.. وعلاقات المجتمع صراخ طبقى.. وعلاقات الدول صراخ سياسى.. والشعارات صراخ فكرى.. والمذاهب تحريض علنى للأغلبيات على الأقليات، والأقليات على الأغلبيات، ولافتاتها المرفوعة هى الصراخ والهتاف والصياح والنباح.. والبيوت التى ترفع لافتة الحب على بابها.. تعيش حياة هى أقرب إلى الصراع على السلطة، منها إلى تعاون المحبة والرحمة بين أزواج وزوجات.. حياة أقرب إلى صراخ يومى وتنازع حكم ورأى فى كل شىء، وكأنما المطلب الذى يصحو به كل واحد هو من يحكم اليوم.. من يسود.. من يمسك باللجام؟.. وإذا أعوزت المرأة مبررات السيادة والقيادة التمستها بالغيرة، واتخذت من الشك ذريعة حصار، وسبباً لإيداع الزوج السجن وإعلان أحكام الطوارئ فى البيت ليل ونهار، ومصادرة الخطابات والتسمّع على التليفونات، وتفتيش الملابس الخارجية والداخلية.. فإذا لم تعثر على جسم الجريمة، ولم تضبط أحرازاً، فإنها تعلن أنه لا بد من تفتيش الدماغ وكسرها -إن أمكن- بالقبقاب، أو بالحجج الفلسفية، حسب درجة ثقافتها، وحسب حظها من التربية فى بيت أبيها.. فإذا لم تجد شيئاً فى دماغه.. فلا بد إذاً أنه كان هنالك شىء فى الماضى قبل أن يتزوجها، لا بد أنه كان على علاقة ما فى يوم ما.. فهذا شأن جميع الرجال الملاعين.. وجميع الرجال ملاعين.. إلى أن يثبت العكس.. ولا يمكن أن يثبت العكس أبداً.. والمهم أن يصل الحوار إلى صراخ وعويل ولطم وندب.. ومرة أخرى تتوقف ردود الفعل على حظ الزوجة من الثقافة ومن تربية البيت.

الغل فى المرأة وفى الرجل وفى الدولة.. حتى الغل فى الضحك هو عنوان تعاسة.. الضحك المغلول والتهريج المجلجل والمرح الوحشى هو الآخر عنوان افتعال.. ومحاولة مصطنعة لتغطية أصوات القلق والحزن الدفين واليأس الأكّال فى داخل القلب بأجراس الضحك وبقرع الكؤوس المخمورة.

والسعادة الحقة لا يمكن أن تكون صراخاً.. وإنما هى حالة عميقة من حالات السكينة تقل فيها الحاجة إلى الكلام وتنعدم الرغبة فى الثرثرة.. هى حالة رؤية داخلية مبهجة وإحساس بالصلح مع النفس والدنيا والله واقتناع عميق بالعدالة الكامنة فى الوجود كله، وقبول لجميع الآلام فى رضى وابتسام.

ولهذا لا يصلح التعلق إلا بالله.. لأنه هو وحده الثابت الصامد «الصمد»، الذى لا يتغير ولا يتقلب ولا تلحق به العوارض.

وبين يدى الله السكينة هى الحال والصمت هو المعرفة.

لأن المطلق لا تسعه عبارة ولا تحيط به حروف.. فالجهل به هو عين معرفته، والصمت هو عين إدراكه.

ولهذا يرى الصوفى محمد بن عبدالجبار أن الحب بمعناه المتداول وهو «أن تحتل امرأة عقل رجل وتسد عليه جميع أقطاره وتصبح شاغله ومطلبه الوحيد»، هو باب من أبواب الكفر والشرك.

ويقول الإمام الغزالى الرأى نفسه فى هذا اللون من الحب الدارج.. إنه سقوط بالهمّة.. لأنه تعلق بهواء.. تعلق الزائل بالزائل.

ولهذا وصف القرآن العلاقة السوية بين الرجل والمرأة بأنها المودة والرحمة.. ولم يسمها حباً، وجعل الحب وقفاً على علاقة الإنسان بالله، لأنه وحده جامع الكمالات الجدير بالحب والتحميد، وجاءت لفظة الحب فى القرآن عن حب الله وحب الرسول.. وجاءت مرة واحدة عن حب المرأة على لسان النسوة الخاطئات، حينما تكلمن عن امرأة العزيز وفتاها الذى «شغفها حباً».. وهو حب رفضه «يوسف» واستعصم منه، واستعان بربه، وآثر عليه السجن عدة سنين.

وهى جميعاً مؤشرات تكشف عن سبب الإحباط العام والتعاسة فى مجتمعات العصر وبيوته.. بسبب حب هو كفر، وزواج هو أنانية، وصراع طبقى هو حقد، ومذاهب هى انتقام، وشعارات هى كذب.. وعالم ضاعت منه المودة والرحمة، وافتقد الإيمان بالملجأ الحقيقى، وأصبح شعاره لجوء الخراب إلى الخراب. وفى رواية الحب التقليدية يسدل الستار دائماً عندما يصل الحبيب والحبيبة إلى المأذون، لأن المؤلف يتصور حينئذ أن الكلام انتهى وأنه لم يعد هناك ما يُقال، لأن السعادة بدأت، والسعادة عنوانها الصمت.

فأين هى تلك البيوت السعيدة الآن؟

ما أقلّها!

من كتاب: «الروح والجسد»

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العالم اتجنن والناس تعبت العالم اتجنن والناس تعبت



GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 16:02 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 16:00 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 15:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 15:52 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لحوم العلماء ومواعظهم!

GMT 15:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وجع فى رأس إسرائيل

GMT 15:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حكم «الجنائية» وتوابعه

GMT 15:44 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

«الثروة» المنسية ؟!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon