تسليك بلّاعة السياسة في مصر

تسليك بلّاعة السياسة في مصر

تسليك بلّاعة السياسة في مصر

 لبنان اليوم -

تسليك بلّاعة السياسة في مصر

معتز بالله عبد الفتاح

كتبت ذات مرة عن أن شغلانة السياسة دى «شغلانة منيلة بستين نيلة».

وما لم يكن داخل الإنسان رغبة مميتة فى أن يكون جزءاً منها، فتجنّبها أولى.

لماذا؟

العمل فى السياسة بضمير ولوجه الله والوطن والحياة الكريمة مثل من يتطوع كى يسلّك البلّاعة العمومية بتاعة الشارع.

شخص هيجد الدنيا بتغرق والبيوت غير قابلة للسكنى والدنيا بتنهار، فيعلن أنه هيتطوع علشان يسلك البلاعة. وسيضطر لأن يقطع المياه عن بعض البيوت لبعض الوقت، وأول حاجة هتحصل سيلعنه هؤلاء المتضررون.

هينزل إلى البلاعة علشان يسلكها، وقد ينجح وقد لا ينجح، وفى كل الأحوال الناس هتقول له: «ريحتك وحشة». هيقول لهم: «ما أنا ريحتى وحشة لأننى ضحيت من أجلكم»، سيقولون له: «ما إنت ساذج، إردب ما هو لك ليه تحضر كيله، تعفر فى دقنك وتتعب فى شيله».

معضلة السياسة، وبالذات فى المجتمعات المتخلفة، أنها دائماً أبداً مفاضلة بين أنواع المفاسد وأحجامها، وبين أنواع الشرور ونتائجها.

قديماً قال عمر بن الخطاب: «الفقه أن تعرف شر الخيرين، وخير الشرين».

والسياسة كذلك. هى مفاضلة بين أكثر الشرور خيراً، ولكنك مرتكب للشر من وجهة نظر الناس أبداً.

كتبت بالأمس عن الفيلسوفة البريطانية Philippa Ruth Foot التى وضعت لنا معضلة كبيرة فى عام 1967، حين طلبت منا أن نتخيل شيئاً من هذا القبيل: ماذا لو أنت سائق سيارة ضخمة واكتشفت فجأة أنها بلا فرامل، وبالنظر أمامك اكتشفت أن خمسة أشخاص سيموتون قطعاً بسبب هذه السيارة، وفجأة وجدت مخرجاً وهو أن هناك امرأة تقود سيارة فى الاتجاه المضاد ويبدو أنها وحدها، وبالتالى لو اتجهت بالسيارة فى مواجهتها فستقتلها هى فقط. الوقت يجرى وأمامك 20 ثانية لتتخذ قرارك بأن تضحى بالسيدة منفردة أو بالخمسة أشخاص.

ما يحدث فى هذه الحالة، يحدث فى السياسة دائماً.

السياسى ليست أمامه حلول سهلة عادة، هو يفاضل بين أخف الكوارث. ولو اختار أن يقتل السيدة مكان الخمسة، فسيلعنه كثيرون، لأنه قتل امرأة، ولن يحمدوه لأنه ساهم فى نجاة خمسة.

ويقول فقهاء السياسة الشرعية: «الواجب تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما». وقد يحدث هذا، ولكن الناس ستلعن السياسى أياً ما فعل.

قال ابن حزم الأندلسى: «من تصدّر لخدمة العامة فلا بد أن يتصدق ببعض من عرضه على الناس، لأنه لا محالة مشتـوم، حتى إن واصل الليل بالنهار».

مثلاً، قرار بإخلاء منطقة من سكانها، لأن وجودهم فى هذا المكان يهدد أمن الوطن بأكمله سيكون هناك من ينظر إليه على أنه مفسدة أعظم من أى مفسدة. ولو تبنى هذه النظرة إعلاميون مثل الذين عندنا فسيحولونه إلى شر مستطير، لا سيما مع شعب «ببغائى» النزعة مثل الشعب المصرى الشقيق.

يقول أحمد شوقى فى مسرحية «مصرع كليوباترا» عن الشعب الساذج الذى ينطلى الزور عليه: «اسمع الشعب (ديون) كيف يوحون إليه.. ملأ الجو هتافاً بحياة قاتليه.. أثّر البهتان فيه وانطلى الزور عليه.. يا له من ببغاء عقله فى أذنيه!!»

السلطة شهوة. قال إبراهيم بن أدهم: «وآخر ما يخرج من قلب العارف بالله حب الرئاسة».

بعبارة أخرى، النزول إلى البلاعة، حتى لو بغرض تسليكها، شهوة، لا يعرف سوء رائحتها إلا من عرّفه الله بها ونزع حب البلاعة من قلبه.

طيب ومين اللى هيسلّك البلاعة يا «موع موع»؟

اللى هيسلكها مش شخص، لما المجارى تطفح عندنا كلنا بنفس الدرجة ونعانى تقريباً بنفس القدر، يمكن ساعتها، وده مش أكيد، كلنا نجد مصلحة فى أن ننزل نسلكها كلنا. وساعتها هنتوقف عن إصدار أحكام تافهة وسطحية وانطباعية عن الآخرين.

يمكن، بس مش أكيد.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تسليك بلّاعة السياسة في مصر تسليك بلّاعة السياسة في مصر



GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 18:00 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 17:57 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 17:55 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 17:51 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

التعليم مجانى وإلزامى (٦)

GMT 17:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

«المناقيش» سر تعثر لقاء السنباطى وفيروز!!

GMT 17:46 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حكمة نبيل العزبى!

GMT 17:44 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الشركات العامة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 08:15 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
 لبنان اليوم - ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:51 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

طرح فيلم "الإسكندراني" لأحمد العوضي 11يناير في سينمات الخليج

GMT 22:27 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

شاومي يطرح حاسوب لوحي مخصص للكتابة

GMT 14:06 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 14:00 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

أفخم 3 فنادق في العاصمة الايرلندية دبلن

GMT 05:39 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار لتنسيق أزياء الحفلات في الطقس البارد

GMT 05:24 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

قواعد في إتيكيت مقابلة العريس لأوّل مرّة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon