التخلف يبدأ فكراً

التخلف يبدأ فكراً

التخلف يبدأ فكراً

 لبنان اليوم -

التخلف يبدأ فكراً

بقلم : معتز بالله عبد الفتاح

ﻻ توطن نفسك على المعارضة بلا إنصاف، فدوام الخلاف من اﻻعتساف، وﻻ توطن نفسك على المواﻻة بلا استحقاق، فدوام الوفاق من النفاق.

هذه العبارة بتصرف قالها الشيخ الشعراوى، رحمة الله عليه، وهى سهلة القول، عظيمة المعنى، صعبة التطبيق، تحتاج تدريباً ذهنياً، تحتاج أن نكون موضوعيين، أى أن نناقش الموضوع بغض النظر عن الأشخاص، أن نناقش المنتَج بغض النظر عن المنتِج، من التقاليد العلمية المستقرة فى الخارج أن ترسل المجلات العلمية ودور النشر للمتخصصين كتباً أو مقالات للتحكيم دون أن يكون مكتوباً عليها أى إشارة لصاحبها حتى يناقشوا ما هو مكتوب دون أن يتأثر المحكّم بأن فلاناً صديقى أو منافسى أو عدوى، ناقش المنتَج.. وليس صاحبه.

هذه هى الموضوعية بواحد من معانيها، الموضوعية تقتضى الـ«إف بى آى»، أى Fairness + Balance + Integrity أى الإنصاف (فنقول الحق) والتوازن (فلا نبالغ) والنزاهة (فلا نخلط المواقف والمصالح الشخصية فى ما هو غير شخصى).

يقال عن أوباما إنه بارع فى أن يكسب النقاش، دون أن يخسر الأشخاص: «Win arguments without losing people»، المقارنة العابرة فى مصر تؤكد أننا ننجح فى خسارة الأشخاص ولا نكسب القضايا، كم من أصدقائنا فقدناهم فى الفترة السابقة، وبعد ما فقدناهم هل حللنا أى مشكلة؟ طيب مش الأفضل أن نتكلم معهم بـ«إف بى آى»، يا إما نقنعهم أو يقنعوننا أو نظل مختلفين مع بعض، كلمات الشعراوى السابقة وجدتها فى الخارج أكثر مما وجدتها فى الداخل، وجدتها فى إسرائيل أثناء تدريسى المتكرر لمقرر عن الصراع العربى - الإسرائيلى، القرآن يقول عن يهود المدينة إننا نحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، ولكنهم نجحوا فى أن يبحثوا عن نقاط الالتقاء من أجل مصلحة بلدهم، ولم يتبنوا منطق المناضل الرافض تحت شعار: «خُلقنا لنعترض»، الاعتراض منطقى فى موضعه، ولكن الاعتراض الدائم يفقد الإنسان مصداقيته أو على الأقل تأثيره خارج إطار من يتبنون منطقه.

قول الشعراوى مرة أخرى: «ﻻ توطن نفسك على المعارضة بلا إنصاف، فدوام الخلاف من اﻻعتساف، وﻻ توطن نفسك على المواﻻة بلا استحقاق، فدوام الوفاق من النفاق»، صحيح، دوام الخلاف من الاعتساف يعنى من الظلم، ودوام الوفاق من المهادنة والمنافقة، ولكن افتعال الخلاف أو افتعال الوفاق رغبة فى الشهرة أو الزعامة الزائفة يجيدها كل خفيف بلا قضية، ويستجيب لها كل خفيف بلا عقل، أحسب أن الرزانة، كل الرزانة، أن تستمع لآراء الناس باهتمام واحترام، ولكن لا تجعلهم قِبلتك، لا سيما فى المجالات التى أنت أعلم منهم فيها، ولنُحط أنفسنا بقلة من الأشخاص متنوعى المشارب ناضجى العقول من أهل الرأى والعلم والحلم والمشورة، كى يكونوا ضميراً خارجياً لنا، يراجعوننا حين نخطئ، ويدعموننا حين نصيب.

فى مادة «مهارات التفكير النقدى» كنا نطلب من كل طالب أن يكتب اسم أكثر شخص يكرهه من الشخصيات العامة فى ورقة، ثم فى ورقة أخرى يكتب أسباب كراهيته له، ثم فى ورقة ثالثة نطلب منهم كتابة صفات إيجابية فى هذا الشخص، وبعد أن أشرح لهم الـ«إف بى آى»، أطلب منهم أن يكتبوا فى ورقة رابعة مميزات نفس الشخص، بعد ما ينتهى هذا التمرين أطلب منهم أن يعلقوا على ما كتبوا، عادة ما تكون النتيجة أننا نملك القدرة على أن نكون موضوعيين، حينما نريد، أو حينما ندرك أن الموضوعية مفيدة.

الكوليرا الفكرية المنتشرة فى مصر ناتجة عن سنوات طويلة من الحقد والغيظ والكره للمخالفين فى الرأى، وهى من صفاتنا الأصيلة التى ينبغى أن نتخلى عنها.

لو كان الأمر بيدى لجعلت هذا المرض أولوية الأولويات، لا مصر جديدة إلا بإنسان مصرى جديد.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التخلف يبدأ فكراً التخلف يبدأ فكراً



GMT 07:23 2017 السبت ,25 شباط / فبراير

أكثر ما يقلقنى على مصر

GMT 05:23 2017 الأربعاء ,22 شباط / فبراير

من المعلومات إلى القيم والمهارات

GMT 06:34 2017 السبت ,18 شباط / فبراير

جاستن ترودو: رئيس وزراء كندا - الإنسان

GMT 05:38 2017 الخميس ,16 شباط / فبراير

نصائح للوزراء الجدد

GMT 06:07 2017 الثلاثاء ,14 شباط / فبراير

من أمراضنا الأخلاقية

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon