هل نحبها ونكره أهلها

هل نحبها ونكره أهلها؟

هل نحبها ونكره أهلها؟

 لبنان اليوم -

هل نحبها ونكره أهلها

بقلم : معتز بالله عبد الفتاح

كتبت من قبل عن ظاهرة التوقف عن العمل والتطلع لمستقبل أفضل الذى هو خطأ كبير لا ينبغى أن نقع فيه. الحب الأفلاطونى الذى يدعى فيه الإنسان المشاعر النبيلة تجاه شخص أو كيان ما دون أن يتخذ الإجراءات اللازمة لترجمة المشاعر إلى سلوك، يعنى ضمناً أن هناك خللاً فى الوعى والإرادة.

لا يوجد عندى أدنى شك فى أننا نحب بلادنا، ولكننا نتصرف كثيراً وكأننا نكره أهلها أو على الأقل وكأننا نضن عليهم بأن نساعدهم تحت أعذار مختلفة، بما فيها الانتظار لأن يأتى القائد الملهم الذى سيحدد لكل واحد فينا دوره. والمشكلة أن هذا النوع من التفكير مضر بالوطن الذى نتغنى بحبه، بل هو رخصة لأن يتكاسل البعض عن القيام بدوره انتظاراً للزعيم المجهول، بل أزعم أننا بتكاسلنا هذا ينطبق علينا قول إيليا أبوماضى:

«من ليس يسخو بما تسخو الحياةُ به فإنه أحمق بالحرص ينتحر»

وهو ما يذكرنى كذلك بقصة «المرتبة المقعرة»، التى كتبها د. يوسف إدريس، والتى جسد فيها لنا شخصاً يحب الحياة ويكره أن يعمل لها. فقد رأى العالم من حوله فاسداً وقميئاً ولا يتناسب مع معاييره الأخلاقية فقرر أن ينفصل عنه إلى أن يتغير هذا العالم المتوحش. نام الرجل على سريره وطلب من زوجته ألا توقظه إلا إذا تغير العالم.

نام لبعض الوقت ثم استيقظ سائلاً: هل تغير العالم؟ فنظرت زوجته حولها وأجابت: لم يتغير العالم. ربما يكون تمتم ببعض الكلمات التى تعبر عن ضجره من أن العالم لم يتغير بالسرعة الكافية ثم مارس هوايته التى يجيدها وهى النوم والانتظار، ثم استيقظ وسألها نفس السؤال: هل تغير العالم؟. فنظرت من النافذة وقالت: لم يتغير العالم بعد. وهكذا ظل ينام ويستيقظ ويسأل فتنظر زوجته حولها وترد عليه بنفس الكلمات. وبمرور الزمن بدأت مرتبة السرير تهبط وتأخذ شكل جسده المقعر. وبعد أن نام شهوراً وسنوات، دون أن يتغير العالم، تحولت المرتبة إلى كفن يعيش فيه انتظاراً لمجهول لن يحدث، ثم مات فأراح واستراح. وهنا نظرت زوجته إليه وهو ينعم بموته فى كفنه.. وقالت: الآن تغير العالم. وربما كانت تقصد الآن تخلص العالم من أحد أولئك الكسالى الذين ينتظرون التغيير ويأملونه ولا يحركون ساكناً من أجله.

هذه القصة تقول إن العالم يتغير حينما نساهم فى تغييره، أما إذا قررنا أن نقف منه موقف المنتظر حتى يتغير، فنحن عملياً نسهم فى جموده بصمتنا تجاهه وانتظارنا لخروجه عن مألوف عادته حتى يتغير. وأغلب الظن أن العالم سيبادلنا تجاهلاً بتجاهل لأننا لم نفعل ما يكفى كى نجعله أفضل حالاً. وعليه فهناك نوع من البشر يغير العالم الذى يعيش فيه، وهناك آخرون يتساءلون ما الذى يتغير؟ وهناك من لا يعرفون حتى إذا كان هناك شىء تغير أم لا.

وطنك بحاجة لجهدك وعطائك، وأول العطاء ألا تنال أو تسخر ممن يعطون ويجتهدون وينتجون، وإنما تغبطهم وتتمنى أن تكون مثلهم وأن تأخذ المبادرة دون أن تنتظر أحداً. كلام الحب يجيده كل أحد، إنما العطاء الفعلى لا يجيده إلا المخلصون فى مشاعرهم. أولئك الذين قال عنهم عبدالرحمن الكواكبى: «ما بال هذا الزمان يضن علينا برجال ينبهون الناس، ويرفعون الالتباس، ويفكرون بحزم، ويعملون بعزم، ولا ينفكون حتى ينالوا ما يقصدون». كن من هؤلاء، فدائرتهم تتسع بقدر إرادتك فى أن تعمل وأن تجتهد مهما كانت الإحباطات واحتمالات الفشل.

بهذا سنكون بالفعل نحبها ونحب أهلها، نعمل لها ونساعد أهلها.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل نحبها ونكره أهلها هل نحبها ونكره أهلها



GMT 07:23 2017 السبت ,25 شباط / فبراير

أكثر ما يقلقنى على مصر

GMT 05:23 2017 الأربعاء ,22 شباط / فبراير

من المعلومات إلى القيم والمهارات

GMT 06:34 2017 السبت ,18 شباط / فبراير

جاستن ترودو: رئيس وزراء كندا - الإنسان

GMT 05:38 2017 الخميس ,16 شباط / فبراير

نصائح للوزراء الجدد

GMT 06:07 2017 الثلاثاء ,14 شباط / فبراير

من أمراضنا الأخلاقية

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon