معتز بالله عبد الفتاح
كتب الدكتور مصطفى محمود (رحمة الله عليه) مقالاً بعنوان: «لماذا لا يحترم الإعلام العربى رمضان؟»، جاء فيه:
لماذا يتحول رمضان إلى شهر ترفيهى بدلاً من شهر روحانى؟ لست شيخاً ولا داعية، ولكنى أفهم الآن لماذا كانت والدتى تدير التلفاز ليواجه الحائط طوال شهر رمضان.. كنت طفلاً صغيراً ناقماً على أُمى التى منعتنى وإخوتى من مشاهدة فوازير بينما يتابعها كل أصدقائى.. ولم يشفِ غليلى إجابة والدتى المقتضبة «رمضان شهر عبادة مش فوازير!»، لم أكن أفهم منطق أمى الذى كنت كطفل أعتبره تشدداً فى الدين لا فائدة منه.. فكيف ستؤثر مشاهدة طفل صغير لفوازير على شهر رمضان؟
من منكم سيدير جهاز التلفاز ليواجه الحائط فى رمضان؟
مرت السنوات وأخذتنى دوامة الحياة وغطى ضجيج معارك الدراسة والعمل على همسة سؤالى الطفولى، حتى أراد الله أن تأتينى الإجابة عن هذا السؤال من رجل مسن غير متعلم فى الركن الآخر من الكرة الأرضية، كان ذلك الرجل هو عاملاً أمريكياً فى محطة بنزين اعتدت دخولها لشراء قهوة أثناء ملء السيارة بالوقود فى طريق عملى، وفى اليوم الذى يسبق يوم الكريسماس دخلت لشراء القهوة كعادتى، فإذا بى أجد ذلك الرجل منهمكاً فى وضع أقفال على ثلاجة الخمور، وعندما عاد للـ(كاشير) لمحاسبتى على القهوة، سألته وكنت حديث عهد بقوانين أمريكا: «لماذا تضع أقفالاً على هذه الثلاجة؟؟»، فأجابنى: «هذه ثلاجة الخمور وقوانين الولاية تمنع بيع الخمور فى ليلة ويوم الكريسماس يوم ميلاد المسيح». نظرت إليه مندهشاً قائلاً: أليست أمريكا دولة علمانية.. لماذا تتدخل الدولة فى شىء مثل ذلك؟ قال الرجل: «الاحترام.. يجب على الجميع احترام ميلاد المسيح وعدم شرب الخمر فى ذلك اليوم حتى وإن لم تكن متديناً.. إذا فقد المجتمع الاحترام فقدنا كل شىء».
الاحترام.. (الاحترام) ظلت هذه الكلمة تدور فى عقلى لأيام وأيام بعد هذه الليلة.. فالخمر غير محرم عند كثير من المذاهب المسيحية فى أمريكا.. ولكن المسألة ليست مسألة حلال أو حرام.. إنها مسألة احترام.. فهم ينظرون للكريسماس كضيف يزورهم كل سنة ليذكرهم بميلاد المسيح عليه السلام، وليس من الاحترام السكر فى معية ذلك الضيف.. فلتسكر ولتعربد فى يوم آخر إذا كان ذلك أسلوب حياتك.. أنت حر.. ولكن فى هذا اليوم سيحترم الجميع هذا الضيف وستضع الدولة قانوناً!
أتمنى أن نحترم شهر القرآن، ونعرف ماذا نشاهد.
ومن ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه، قال تعالى: «وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ».
انتهى كلام الدكتور مصطفى محمود.
قال من أرسل هذه المقالة ما يلى: أنا على قناعة بأن إعلامنا نزع مفردة الاحترام من قاموسه، ولكن السؤال: هل ستتحلى أنت بقليل من الاحترام وتقلب شاشة تليفزيونك.. أو على أقل تقدير، حذف بعض القنوات، والاكتفاء بما يعزز احترامك لشهر رمضان الفضيل.
أقول إننى غير متابع جيد لبرامج رمضان، وأتذكر أن آخر مسلسل شاهدته كان مسلسل «الجماعة» للأستاذ وحيد حامد، لأهمية الموضوع ولأهمية المؤلف، وسأقضى أغلب رمضان هذا العام خارج مصر، فى رحلات عمل، ومع ذلك أنا أدعو المصريين إلى أن يفكروا جيداً فى النتائج السلبية لتحويل هذا «الشهر» إلى حالة من «العهر» باسم التسلية والترفيه.
فكرة إغلاق التليفزيون أطول فترة ممكنة أو حذف القنوات التى لا تحترم قدسية الشهر ومكانته فكرة جيدة، ورغماً عن أننى أتبناه تلقائياً لكن قد تكون مفيدة لآخرين.
خلونا نقرب منه سبحانه وتعالى شوية، إحنا محتاجينه وبنبعد عنه وبتاخدنا الدنيا رغماً عن معرفتنا بدونيتها وبدنو أجلنا فيها، ففرصة يمكن ربنا يردنا إليه رد الكرام عليه، بدل ما يردنا إليه رد الغافلين عنه.
كل رمضان وحضراتكم إلى الله أقرب وعن الخطايا أبعد.