القيادة والرؤية والإنجاز تجارب من العالم

القيادة والرؤية والإنجاز: تجارب من العالم

القيادة والرؤية والإنجاز: تجارب من العالم

 لبنان اليوم -

القيادة والرؤية والإنجاز تجارب من العالم

معتز بالله عبد الفتاح

لا شك أن مستقبلنا الاقتصادى يحتاج منا اهتماماً أكثر من صراعاتنا السياسية. نقول هذا ولا نفعله، لا نريد أن نحصل على الدرجة النهائية فى الجدل السياسى وننهار اقتصادياً.

قلت من قبل إن البنك الدولى رصد أن هناك 15 دولة «تخرجت» من «مدرسة التخلف» إلى «مدرسة التنمية» خلال الفترة من 1965 إلى عام 2005، والمثير للتأمل أنها تبنت استراتيجيات متشابهة لحد بعيد فى كيفية تحولها من دول

متخلفة إلى دول تنموية، ثم جاء وراءها عدد آخر من الدول التى تعلمت منها وأضافت إلى استراتيجياتها إبداعات أخرى مثار دراسة وتقدير، وعلى رأسها الصين والهند والبرازيل، فبتسوانا مثلاً كانت أفقر دولة فى العالم بلا جدال فى عام 1966 أى قبل عامين من حصولها على الاستقلال، ولكنها الآن من أعلى دول أفريقيا فى مؤشرات التنمية، حيث متوسط القدرة الشرائية لمواطنيها ضعف متوسط القدرة الشرائية لمواطنى مصر، مع ملاحظة الفجوة الهائلة بين القدرات البشرية، كماً ونوعاً، للمصريين وللبتسوانيين.

الكثير من عناصر التشابه بين هذه الدول كان واضحاً، ولكن بعد القيادة كان دائماً هو الأهم، ولنتذكر الفرق بين مصر ما قبل محمد على ومصر ما بعد محمد على، ولنتذكر ماليزيا ما قبل مهاتير محمد وماليزيا ما بعد مهاتير محمد، ألمانيا قبل كونارد أديناور وما بعده وهكذا فى عشرات الأمثلة المعاصرة فى القرن الماضى، لكن ما الذى يجعل هؤلاء القادة بهذه القدرات الاستثنائية على تغيير واقعهم؟

لنرصد أربع خصائص أساسية:

أولاً: قيادة تملك القدرة على الخيال (POWER OF IMAGINATION)، مثـل المخرج الذى يعرف شكل الفيلم وتفاصيله قبل أول يوم تصوير، مثل المهندس الذى يرسم على الورق ناطحة السحاب بكل تفصيلاتها وتعقيداتها حتى قبل أن يتم حفر أول متر أرض، هذه القيادة هى شخص يستعين بخـبراء ليصنع فريقـاً للتخطيط الاستراتيجى أو مجلساً أعلى للسياســات الوطنية، تشير خبرة دول أخرى إلى أهميـة وجود فريق تخطيط استراتيجى لبرامـج التنمية فى الدولـة، فريق العمل هذا يتكون من عدد محدود من الأشخاص تفاوت من دولة لأخرى، بحيث كان فقط 8 خبراء فى بعض الدول ووصل إلى 24 خبيراً فى دول أخرى، كما كتبت أكثر من مرة.

ثانياً: قيادة تملك القدرة على التخطيط (CAPACITY OF PLANNING)، أى: القدرة على تحويل الفكرة إلى مشروع أو مشروعات، والمشروعات إلى خطط قابلة للتنفيذ، وهو ما يقتضى أن يكون رأس الدولة (فى حالة مصر) رئيساً لمجلس إدارة الوطن يشارك فيه الجميع من كل الاتجاهات الفكرية بشرط أن يكونوا ممن يعلون الصالح الوطنى العام على المصالح الحزبية أو الشخصية الضيقة، وأهمية التخطيط هذا ألا نخترع العجلة، وأن نفتت المفتت، وأن ندمر المدمر،

وأن نرفض ما يأتى إلينا من آخرين، رغبة منا فى ألا نشارك أو أن نشكر فى شىء لا يوجد عليه اسمنا، هذه أنانية لا تليق بقادة، إن كتاب التقدم فى العالم تمت كتابته، لكننا إما لا نجيد القراءة أو لا نريد القراءة، وبالتالى سنظل متخلفين، نشكو الظروف ونمدح الآخرين ونلعن المؤامرات التى نزعم أنها تحاك ضدنا.

ثالثاً: قيادة تملك القدرة على إدارة الموارد (CAPACITY OF RESOURCE MANAGEMENT)، أى: القدرة على إدارة مجموعات من البشر تعمل فى اتجاهات مختلفة وكأنها تجمع مشاهد الفيلم أو أجزاء ناطحة السحاب المشار إليهما، والقدرة على الإدارة تعنى إدارة الموارد المادية دون فساد أو إهدار، والموارد البشرية دون إفساد أو محاباة، كل واحد من نماذج التنمية الناجحة فى الدول الصناعية الجديدة (NICS)، أى: الدول الصناعية الحديثة التى ظهرت

فى السبعينات والثمانينات مثل هونج كونج وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان، ثم لحقت بها فى التسعينات تايلاند وماليزيا، ثم لحقت بهذه الدول مجموعة أخرى نجحت فى أن تزاوج بين الديمقراطية السياسية والتنمية الاقتصادية مثل الهند والبرازيل وتركيا وجنوب أفريقيا وروسيا وغيرها كثير مع تفاوت واضح فى مدى التزام هذه الدول بالديمقراطية، القيادات التى نجحت فى صناعة النهضة الاقتصادية والمجتمعية فى هذه الدول ابتكرت فريق عمل له وظيفة محددة ومساحة معينة بدقة للدور الذى يمكن أن تقوم به، هذا الفريق له أسماء متعددة، وللتبسيط سنسميه «فريق التخطيط الاستراتيجى» الذى كان اسمه فى ماليزيا مثلاً «وحدة التخطيط الاقتصادى» التى بدأت فى الستينات بعدد بلغ 15 شخصاً، نصفهم كانوا من العقول الماليزية المهاجرة.

رابعاً: قيادة لديها إحساس شديد بالواقع (SENSE OF REALITY)؛ لأن الأحلام الكبيرة إن لم تكن مرتبطة بقراءة سليمة للواقع، فإنها ستظل أحلاماً، وأحسب أن أغلب من هم موجودون على الساحة السياسية المصرية يتحدثون عن

مصر، لكن من لم يمارس منهم عملاً تنفيذياً أو يحضر اجتماعاً واحداً لمجلس الوزراء أو مجلس المحافظين مثلاً؛ فهو يغيب عنه بعد مهم للغاية، قال لى مسئول سابق فى الدولة: إن المطلوب من رئيس الدولة أو الحكومة أن يكون مثل صاحب شركة إنشاءات هندسية كبرى، درس الهندسة على أعلى مستوى، لكنه كان فى الأصل عامل بناء تدرج ودرس وكبر حتى إن وصل إلى أعلى المراتب عرف جميع التفاصيل عن المهنة التى يعمل بها، فلا يُسرق منه «سيخ حديد». وقصارى القول، إن هذه القيادات فى العديد من الدول التنموية اعتبرت نفسها فى حالة حرب حقيقية فى مواجهة التخلف والفقر، ومن هنا استعانت بأفضل عقولها ووضعت لهم أدواراً ومهام مرسومة بدقة حتى يكونوا العقل المفكر لتجاربهم التنموية، لم تتسامح مع التقصير والإهمال والفساد بل واجهته، لأن قوة الدولة تضيع وتتراجع بضعف وتراجع عناصر قدرتها على إدارة الموارد وحسن استغلالها.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القيادة والرؤية والإنجاز تجارب من العالم القيادة والرؤية والإنجاز تجارب من العالم



GMT 13:50 2024 الأربعاء ,20 آذار/ مارس

مفتاح جنوب البحر

GMT 19:33 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

أحلام فترة النقاهة!

GMT 20:53 2024 الجمعة ,15 آذار/ مارس

دولة طبيعية

GMT 17:49 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين

GMT 17:35 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

المشير والمشيرون

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon