دعوة لمقاومة القلق

دعوة لمقاومة القلق

دعوة لمقاومة القلق

 لبنان اليوم -

دعوة لمقاومة القلق

معتز بالله عبد الفتاح

أرفض أن نستسلم لليأس أو الخوف أو الإرهاب.. كتبت من قبل عن المؤلف الأمريكى، إرنست هيمنجواى عبارة بليغة تتلخص فى ثلاث كلمات: Live like a bird، أى: «عش كطائر».

الطائر يعيش ويكدح ويعمل ويناضل، ولكنه لا يحمل هم المستقبل كثيراً.

قال الشيخ الغزالى فى كتابه «جدد حياتك»: من أخطاء الإنسان أن ينوء فى حاضره بأعباء مستقبله الطويل.

لماذا تخامرك الريبة ويخالجك القلق؟! عش فى حدود يومك، فذلك أجدر بك، وأصلح لك.

والعيش فى حدود اليوم يتسق مع قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من أصبح آمناً فى سربه، معافى فى بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها». إنك تملك العالم كله يوم تجمع هذه العناصر كلها فى يديك، فاحذر أن تحقّرها.

وبعض الناس يستهين بما أولاه الله من سلامة وطمأنينة فى نفسه وأهله، وقد يزدرى هذه الآلاء العظيمة، ويضخّم آثار الحرمان من حظوظ الثروة والتمكين. وهذه الاستهانة غَمط للواقع ومتلفة للدين والدنيا.

إن الاكتفاء الذاتى، وحسن استغلال ما فى اليد، ونبذ الاتكال على المُنى هى نواة العظمة النفسية وسر الانتصار على الظروف المُعنتة.

والذين لا يشكون الحرمان -لأنهم أوتوا الكثير- قلما ينتفعون بما أوتوا إذا هم فقدوا الطاقة النفسية على استغلال ما معهم والإفادة مما حولهم. هذه حقيقة يؤكدها النبى الكريم مطلع كل صباح، فيقول: «ما طلعت شمس قط إلا بعث بجنبتيها ملكان يُسمعان أهل الأرض إلا الثقلين: يا أيها الناس، هلموا إلى ربكم، فإن ما قلّ وكفى خير مما كثر وألهى. ولا غربت شمس قط، إلا وبعث بجنبيها ملكان يناديان: اللهم عجّل لمنفق خلفاً وعجل لممسك تلفاً».

على أن العيش فى حدود اليوم لا يعنى تجاهل المستقبل، أو ترك الإعداد له، فإن اهتمام المرء بغده وتفكيره فيه حصافة وعقل.

وهناك فرق بين الاهتمام بالمستقبل والاغتمام به، بين الاستعداد له والاستغراق فيه، بين التيقظ فى استغلال اليوم الحاضر وبين التوجس المربك المحير مما قد يفد به الغد.

كان لأحد الملوك وزير حكيم وكان الملك يقربه منه ويصطحبه معه فى كل مكان. وكان كلما أصاب الملك ما يكدره، قال له الوزير: «لعله خيرٌ»، فيهدأ الملك.

وفى إحدى المرات قُطع إصبع الملك، فقال الوزير: «لعله خيرٌ» فغضب الملك غضباً شديداً وقال: ما الخير فى ذلك؟! وأمر بحبس الوزير.

فقال الوزير الحكيم: «لعله خيرٌ»، ومكث الوزير فترة طويلة فى السجن.

وفى يوم خرج الملك للصيد وابتعد عن الحراس ليتعقب فريسته، فمر على قوم يعبدون صنماً، فقبضوا عليه ليقدموه قرباناً للصنم ولكنهم تركوه بعد أن اكتشفوا أن قربانهم إصبعه مقطوع.

فانطلق الملك فرحاً بعد أن هرب من الذبح تحت قدم تمثال لا ينفع ولا يضر وأول ما أمر به فور وصوله القصر أن أمر الحراس أن يأتوا بوزيره من السجن واعتذر له عما صنعه معه، وقال إنه أدرك الآن الخير فى قطع إصبعه.

ولكنه سأله عندما أمرت بسجنك، قلت: «لعله خير»، فما الخير فى ذلك؟

فأجابه الوزير أنه لو لم يسجنه، لَصاحَبَهُ فى الصيد، فكان سيُقدم قرباناً بدلاً من الملك، فكان فى ذلك كل الخير.

استمتع بما تملك قلّ أو كثر، واحمد الله عليه، وعش كالطير. قال الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم): «لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً (أى تطير جائعة) وتروح بطاناً (أى تعود وبطنها يمتلئ بالطعام)». طيب لو لم تعد؟ وإيه يعنى؟ راحت عند اللى خالقها.

قال تعالى: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِى الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ» (الحديد، 20).

وتذكر، واهتف: «ما قل وكفى، خيرٌ مما كثر وألهى».

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دعوة لمقاومة القلق دعوة لمقاومة القلق



GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 18:00 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 17:57 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 17:55 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 17:51 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

التعليم مجانى وإلزامى (٦)

GMT 17:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

«المناقيش» سر تعثر لقاء السنباطى وفيروز!!

GMT 17:46 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حكمة نبيل العزبى!

GMT 17:44 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الشركات العامة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 08:15 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
 لبنان اليوم - ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:51 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

طرح فيلم "الإسكندراني" لأحمد العوضي 11يناير في سينمات الخليج

GMT 22:27 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

شاومي يطرح حاسوب لوحي مخصص للكتابة

GMT 14:06 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 14:00 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

أفخم 3 فنادق في العاصمة الايرلندية دبلن

GMT 05:39 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار لتنسيق أزياء الحفلات في الطقس البارد

GMT 05:24 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

قواعد في إتيكيت مقابلة العريس لأوّل مرّة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon