مجتمع يموج بصراعات عشرة

مجتمع يموج بصراعات عشرة

مجتمع يموج بصراعات عشرة

 لبنان اليوم -

مجتمع يموج بصراعات عشرة

معتز بالله عبد الفتاح

لو حاولنا أن ننظر إلى جذور مشاكلنا، وليس فقط لمظاهرها، لوجدنا أن المجتمع يواجه صراعات عشرة لم يحلها بعد على نحو مرضٍ، وهى صراعات تسببت فى ثورة 25 يناير، ولم تزل سبباً فى الكثير من الأزمات التى تظهر من آن لآخر.

هناك أولاً صراع علمانى - إسلامى على هوية مصر. والبعض يراه صراعاً مفتعلاً، لأن مصر هى مصر، ولن يستطيع أن يغيرها كثيراً فى أى اتجاه كان، والبعض الآخر يرى أن المجتمع من الضعف الثقافى والهشاشة الفكرية، بحيث من يسيطر على الدولة سيسيطر بالضرورة على المجتمع. المطلوب الآن الدفاع عن الهوية المصرية الجامعة التى لا تسمح لأحد باختطافها أو أدلجتها.

الصراع الثانى هو الصراع بين الأغنياء والفقراء، وهو الذى تجسده عبارات «العيش والعدالة الاجتماعية». معدل الفقر فى مصر عالٍ، وفقر الفقراء فى مخيلة البعض يرتبط بثراء الأثرياء فقط، وأنه لو تمت إعادة توزيع الدخل فى مصر لأصبح الفقراء غير فقراء. الحقيقة أن هذا غير صحيح. معدل الفقر فى مصر كبير ويتزايد لأسباب كثيرة من ضمنها سياسات خاطئة من الدولة لفترة طويلة، ومنها تداخل السلطة مع رأس المال، ومنها معدلات زيادة سكانية عند الفئات الأكثر فقراً والأقل تعلماً بما يزيد الأمر سوءاً لهؤلاء. ومن يدرس ظاهرة الفقر فى مصر أكاديمياً يكتشف أن المسألة لن تحل بقرار حكومى، سواء ارتبط بإعادة توزيع الدخل أو تغيير نظام الضرائب، أو وضع حدين أقصى وأدنى للأجور. المسألة بحاجة لاستراتيجية قومية تدعم النمو الاقتصادى وتدعم العدالة الاجتماعية كذلك. مشكلة الاعتصامات والإضرابات، وقطع الطرق المرتبطة بنقص الخدمات وضعف المرتبات هى المؤشرات الأهم على أن قضية العدالة الاجتماعية لم تزل فى قمة أولويات الصراع السياسى فى مصر.

ثالثاً: الصراع المدنى - العسكرى الذى لم يزل قائماً، لأن المدنيين الذين قدموا أنفسهم لقيادة المشهد بعد 25 يناير ارتكبوا كافة الأخطاء التى ما ينبغى أن يرتكبها من هو مؤهل لإدارة شئون الدولة. والقضية الآن هى فى كيفية تربية وتجهيز نخبة مدنية للمشاركة فى تحمل المسئولية قبل لعن الوضع الراهن.

رابعاً: الصراع بين البيروقراطية والديمقراطية، وهو صراع تاريخى ولم يزل مستمراً فى كل دول العالم بين أولئك الذين يمثلون لوائح الدولة وقيودها وثوابتها الراسخة، وبين المنتخبين جماهيرياً والمساءَلين سياسياً أمام الهيئة الناخبة والرأى العام من التنفيذيين ونواب البرلمان. ومن يرجع لأهم ما كتب لى كوان يو، رئيس وزراء سنغافورة، عن هذا الأمر، يكتشف أن سر نجاحه هو أنه أخضع البيروقراطية للسلطة السياسية الديمقراطية، وأخضع السلطة السياسية الديمقراطية لمعايير الكفاءة البيروقراطية فى تجربة لا تتكرر إلا فى ظل قيادات استثنائية تماماً. وكما جاء فى هذا المكان من قبل أن البيروقراطية ستقتل التنمية كما أن السياسة ستدمر الاقتصاد إن لم تكن لدينا قيادة واعية بهذا الأمر. السؤال: كيف نصنع هذه المعادلة الصعبة بين البيروقراطية والديمقراطية؟

خامساً: الصراع الجيلى بين القديم والحديث، بين الشباب الذى يخرج ليتمرد، لأنه وجد أن الكبار لا يعرفون كيف يديرون البلاد ولا يحققون النهضة التى وعدوا بها ولا يحترمون أرواح الشهداء وتضحياتهم، ودخلوا فى صراعات بينية تضيع على البلاد طاقتها وقدرتها على الانطلاق. أزعم أن هناك خطاً زمنياً يمكن تصوره بين أولئك «الكبار»، وأولئك «الصغار»، ولكن المعضلة أن الكبار يصدرون للصغار مشاكلهم، وينتجون تلاميذ لهم يسيرون على نهجهم. والأمل هو إنقاذ هؤلاء الجدد من أولئك القدامى بأن يدرك الأصغر سناً القوى الكامنة فيهم، وأن يستفيدوا من آراء وتوجهات الأكبر سناً دون أن يكونوا أسرى لصراعاتهم، وخلفياتهم وذواتهم المتضخمة.

سادساً: الصراع النوعى بين الذكور والإناث. هناك نزعة لا أريد أن أبالغ فيها بين الذكور للتقليل من شأن الإناث واعتبارهن كائنات أقل فى القدرات الذهنية من الذكور. وحين أتناقش فى هذا الأمر مع بعض أقرانى أسمع ما لا أرتضى وينتهى بهم الأمر أحياناً إلى أن يكون التفكير «طيب عايزين بنت معانا علشان شكلنا يطلع كويس».

سابعاً: الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، التى تطل برأسها أحياناً ولا ينبغى أن ندفن رؤوسنا فى الرمال بصددها. هناك مشكلة حقيقية عند بعض فئات المجتمع بالذات فى المناطق العشوائية والريفية حول علاقة المسيحيين والمسلمين. وكلمة الصراع هنا ليس معناها العنف، فهذا أكثر أشكال الصراع بروزاً. ولكن الخطاب الطائفى مقلق ويتناقض مع ما يقتضيه دين كل منهم مع الآخر وفقاً لآيات المودة والبر (المذكورة نصاً فى القرآن) والمحبة والتسامح (المذكورة نصاً فى الإنجيل)، لنجد من يحرص على أن يتصرف كل طرف وفقاً لمنطق التكفير والإقصاء. هذه مسألة تحتاج هى الأخرى تأملاً عميقاً يخرجنا مما نحن فيه من دائرة خبيثة تنفجر فى وجوهنا بين الحين والآخر لنظرة عامة أوسع على وجهة المجتمع.

ثامناً: صراع بين المركز والأطراف على الموارد المحدودة، وعلى رأسها موارد الأمن والتنمية. القاهرة ومعها عدد من المحافظات الحضرية وكأنها تحلق منفردة بعيداً عن مشاكل بقية المحافظات التى تعانى أكثر وكأنها ليست جزءاً من مصر. كيف سنتعامل مع هذه المعضلة؟

تاسعاً: صراع النهضة والتخلف، وهو صراع بين فكر وقيم التعليم والتطور والتكنولوجيا والبناء، وفكر وقيم الجهل والأمية والتخلف والهدم. هذه مسألة ثقافية تتطلب أن تكون مؤسسات صناعة الثقافة من تعليم وإعلام ومؤسسات دينية تتبنى خطاباً متكاملاً محفزاً لبناء الإنسان المصرى القادر على مواجهة تحديات الغد، وليس إعادة إنتاج تخلفنا.

عاشراً: صراع الاستباحة والريادة الإقليمية.. مصر الآن فى أضعف حالاتها؛ لأنها ضعيفة معتمدة على غيرها إن شاءوا أعطوها وإن شاءوا منعوها. إحكام غلق الحدود ومكافحة التهريب وترميم العلاقات الخارجية على أسس متوازنة ليست ترفاً. ولكن مصر مطالبة بما هو أكثر من ذلك.. لأنها مطالبة بأن تكون طرفاً فاعلاً فى أزمات الدول المحيطة بنا. وعليها أن تفعل ذلك شريطة ألا نستدرج فى هذه الصراعات بإرسال قوات برية بما يحملنا ما لا نستطيع.

وعلى الله قصد السبيل.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مجتمع يموج بصراعات عشرة مجتمع يموج بصراعات عشرة



GMT 13:50 2024 الأربعاء ,20 آذار/ مارس

مفتاح جنوب البحر

GMT 19:33 2024 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

أحلام فترة النقاهة!

GMT 20:53 2024 الجمعة ,15 آذار/ مارس

دولة طبيعية

GMT 17:49 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين

GMT 17:35 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

المشير والمشيرون

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان - لبنان اليوم

GMT 07:17 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
 لبنان اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
 لبنان اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:38 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
 لبنان اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
 لبنان اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 08:54 2022 الخميس ,02 حزيران / يونيو

جينيسيس تكشف عن G70" Shooting Brake" رسمياً

GMT 19:19 2021 الجمعة ,17 كانون الأول / ديسمبر

موضة حقائب بدرجات اللون البني الدافئة

GMT 21:00 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أملاح يلتحق بمعسكر المنتخب ويعرض إصابته على الطاقم الطبي

GMT 21:13 2023 الخميس ,13 إبريل / نيسان

موضة الأحذية في فصل ربيع 2023

GMT 18:07 2022 الأربعاء ,01 حزيران / يونيو

ساعات أنيقة باللون الأزرق الداكن

GMT 21:12 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

آخر صيحات الصيف للنظارات الشمسية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon