الأحياء من المصريين ليسوا مسئولين عن التخلف الذى وجدوا فيه أنفسهم وبلادهم حين ولدوا، ولكنهم سيكونون مسئولين عن التخلف أو التقدم الذى سيتركون عليه البلاد عند رحيلهم.
قرأت مقالاً مهماً فى «الحياة» للأستاذ جاسر الجاسر بعنوان «ليس للمصريين عذر» يقول فيه:
ضخت ثلاث دول خليجية 23 بليون دولار فى الاقتصاد المصرى، كانت هى القوة الدافعة التى مكّنت حكومة الرئيس السيسى من مواجهة الحرب الشرسة التى استهدفت إسقاط مصر وتجويعها سعياً للسلطة وانتقاماً من الشعب الذى قرر تغيير بوصلته قبل أن تقع الكارثة.
هو مشروع «مارشال» أطلقته السعودية بدءاً، وتضافرت معها الإمارات والكويت، لتقف بصلابة وعزم إلى جانب مصر، حتى لا يخسر العرب أهم ركائزهم، ومنعاً لتفشى سحب الفوضى والخراب الساكنة سماء المنطقة. لم يكن الدعم عشقاً فى «السيسى» شخصاً، بل استشعار لحجم الخطر، فكانت حملة دفاع وإنقاذ لم تتوقف لحظة واحدة منذ ثورة 30 يونيو إلى أن تمكنت مصر من عبور مأزقها الخطر واستعادت حضورها، وعبّرت عن قيمتها فى المؤتمر الاقتصادى الذى كان مبادرة من الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لضمان استمرار المسيرة المصرية بعد اكتمال بناء الحواجز الصادة التى أوقفت محاولات الاختراق اليائسة. فى مفارقة لافتة قدم الخليج فى مؤتمر شرم الشيخ 12 بليون دولار هى «رابعة» المستقبل لمصر موزعة بالتساوى بين الدول الخليجية الثلاث، ما يشكل أرضية الانطلاق وإعلان الثقة فى الحكومة المصرية وخروجها من دائرة المقاومة إلى فضاءات المستقبل والعمل من أجله.
فى شرم الشيخ الذى شكل أكبر تجمع اقتصادى للاستثمار فى دولة بعينها، جاءت مصر بمشاريعها المختلفة، فكانت وليمة فاخرة للمستثمرين، دولاً ومؤسسات وأفراداً، تنقلوا بينها وتنافسوا على خياراتها، معلنين أن لا خوف على مصر ولا خشية على استثماراتهم، فالبلد آمن وقوانينه متحركة وفرصه جذابة حد السحر.
نجحت مصر فى التصدى لكل مشكلاتها، فعادت وجهة السياحة والاستثمار، ولا شك أن هذا الحشد الدولى بث التفاؤل فى نفوس المصريين وأشعرهم بالصحة والتعافى، وفتح نوافذ للهواء النقى من دخان التفجيرات ومحاولات التخريب، وأعلن البدء فى أكبر عملية تنموية تشهدها مصر وفق رؤية مختلفة قائمة على التباهى بالثروات الكامنة فى الأرض والبشر.
حصلت مصر على كل ما تريد، وتسابق إليها كل الذين نبذوها سابقاً، وانفتحت شهيتهم على خيراتها بعد أن برهنت الأيام أن المصريين اختاروا طريقاً لا عودة عنه، مهما كثر المتربصون والحالمون بمصباح سحرى يعيد سلطة تبخرت ويمسح صفحات التغيير.
عبرت مصر نحو المستقبل قوية متماسكة، وبقى الدور المحورى أن يبرهن المصريون على قدرتهم على التحول إلى الإدارة الحديثة والنجاة من بيروقراطيتهم الخانقة، حتى يتمكنوا من استيعاب الموجة الهائلة من الاستثمارات الضخمة ويشجعوا المزيد منها على التدفق.
ليس لمصر عذر إن لم تنجح فى التناغم مع هذه المرحلة التى ستغيّر وجه مصر وتجعلها مركزاً محورياً كما هو الطبيعى، وأن عليها الاستثمار فى القدرات وتطوير الأنظمة والإجراءات لتطوى صفحة كانت طاردة فأصبحت جاذبة.
بكل المقاييس تجاوزت مصر المأزق الأمنى بنجاح واقتدار، وبقى التحدى الأصعب أن تكون بيئة جاذبة للاستثمار، وأن تتبدل العقلية التقليدية السابقة. وإن نجحت فى ذلك، وهو المنتظر، فإنها ستكون نموذجاً فى التحول، وتعبيراً عن الإرادة والعزم، فالتحول ليس يسيراً، والقوانين وحدها لا تكفى.
انتهى كلام الرجل. ومعه أقول: «لن تكون هناك مصر جديدة إلا بإنسان مصرى جديد». إنسان مصرى مستعد لتحديات المرحلة المقبلة، نحن بحاجة لإعداد الإنسان المصرى الجديد كى يقوم بمهام النهضة. نحتاج المهارات المفقودة عندنا أن تتكون، نحتاج أن نبنى على نجاح المؤتمر بأن ننجح فى مصارحة أنفسنا بعيوبنا التى أدت إلى الوضع الذى نحن فيه.
نحتاج خطة إعلامية تربوية دينية ثقافية تثقيفية عاجلة، وإلا ستذهب روح المؤتمر إلى حيث ذهبت روح 30 يونيو، وإلى حيث ذهبت روح 25 يناير، وإلى حيث ذهبت روح أكتوبر 1973.
اغتنموا الفرصة يا مسئولين. الشعب جاهز ومستعد، هل من رؤية وخطة عمل؟