بقلم: أسامة غريب
يلاحظ الذين يراقبون الحالة الإيرانية فى الأسابيع الأخيرة أن السلطة فى طهران تتعرض لأنواع من الضغوط شديدة الوطأة بغية حملها على توقيع اتفاق من جديد مع الغرب يحد من قدرتها على تخصيب اليورانيوم، وقد اتخذت هذه الضغوط أشكالا مخابراتية على شكل تخريب وقصف بالطائرات المسيرة وحوادث اغتيال لشخصيات مرتبطة بالحرس الثورى أو بالهيئات العلمية، وكان آخر هذه الحوادث وفاة اثنين من العلماء الإيرانيين متأثرين بنزلات معوية بعد تناولهما طعاما مسموما، وقد نشرت النيويورك تايمز أن إسرائيل قد تكون ضالعة فى تسميم «أيوب منتظرى»، وهو مهندس طيران يعمل فى مركز أبحاث عسكرى و«كمران أغامولاى» العالم فى مجال الجيولوجيا. بداية هذه العمليات المتسلسلة كانت فى فبراير الماضى عندما تعرض موقع فى مدينة كرمانشاه للقصف بست طائرات مسيرة، ويقال إن هذا الهجوم الجوى قد أسفر عن تدمير عدد كبير من الطائرات المسيرة كان يتم صنعها فى هذا الموقع العسكرى. ثم تلا هذا مقتل صياد خدايى، العقيد بالحرس الثورى، بإطلاق الرصاص عليه أمام منزله.. بعد ذلك وقعت عملية قصف مجمع بيرشين للأبحاث بطائرة مسيرة، مما أسفر عن وفاة أحد المهندسين، ويقال إن قائد سلاح الجو الإيرانى قد نجا من هذا الحادث الذى تم بهدف اغتياله. أما العملية التى تفوق كل ما سبق فهى عملية سرقة صناديق الإيداعات من البنك الوطنى الإيرانى، وقد تمت بدهاء وحبكة مخابراتية رهيبة.. البداية كانت عبر اختراق سيبرانى واسع لمنظومة بلدية طهران الإلكترونية التى تشمل مئات الآلاف من كاميرات المراقبة ومراكز المعلومات والمواقع العامة.
وبالتزامن مع تعرض البلدية لهذا الاختراق وتعطل الكاميرات عن العمل وصل اللصوص إلى موقف السيارات الخاص بالبنك دون أن يتم رصدهم ثم دمروا الجدار باستخدام أدوات متطورة وتوجهوا إلى صناديق الأمانات مباشرة، وذكرت بعض المصادر الإعلامية أن اللصوص استخدموا أسلوب إذابة الأقفال للوصول إلى الصناديق وهى نفس الطريقة التى حصل عملاء الموساد من خلالها على الأرشيف النووى الإيرانى عام 2018، وقد أكد المصرف الوطنى، فى بيان أصدره، أن السرقة شملت نحو 250 صندوقا، منها 169 تم إفراغها بالكامل.. ولم يعرف شيئا عن محتويات الصناديق، وإن كان من المستبعد أن تكون العملية قد جرت بغرض سرقة المال. ويمكن إضافة حادث اختراق أنظمة مطار الإمام الخمينى إلى هذا المسلسل حيث تعطل قسم جوازات السفر بالكامل لعدة ساعات الأسبوع الماضى عقب هجوم سيبرانى كبير. من الواضح أن إيران تواجه تحديا كبيرا، وأن أمنها الداخلى ليس شديد المنعة إزاء محاولات الاختراق، وقد تحاول إيران أن تحصل على انتقام يعوض كل هذه الخسائر التى نالت من سمعتها الأمنية، غير أن صعوبة الحصول على انتقام بحجم ما تلقته من ضربات قد لا يترك أمامها سوى الرد بغشم، وإيران تملك وسائل الرد الغاشم وإن كانت تتحسب دائما من رد الفعل من جانب إسرائيل ومعها أمريكا وأوروبا أيضا، لكن خطبة السيد خامنئى التى توعد فيها بالرد قد تعنى أن الإيرانيين يمكن أن يتخلوا عن الحذر ويطلقوا العنان للغضب.