بقلم: أسامة غريب
لم يكن الوجيه رأفت المناخيرى مثل غيره من علية القوم الذين ينكبّون على مصالحهم فقط، لكنه كان يرعى الفنون ويتبنى المواهب الشابة فى كل الميادين.
لذلك لم يندهش أحد عندما أعلن أن مؤسسة المناخيرى ترغب فى تكريم شرحبيل بن نوسة بعد عودته من هلسنكى، بعدما توالت أخبار الورقة البحثية التى قدمها هناك فى مؤتمر المناخ. لم يكن بن نوسة يمثل دولة بعينها فى المؤتمر، وإنما كان يتقدم بورقة فى المسابقة غير الرسمية المنعقدة تحت اسم «نظرة ما».
أقيم الحفل فى قصر الوجيه المناخيرى على ترعة البمبوطية وسط تواجد إعلامى كبير. ارتدى رأفت باشا الثياب المزركشة التى ورثها عن جده المناخيرى الكبير الذى حارب مع الباب العالى فى معركة المورة، ثم وقف ممسكًا بالميكرفون.. وبعد أن شكر الحاضرين، توجّه بنظره إلى شرحبيل فوجد بصحبته شخصًا لا يعرفه. قال رأفت باشا: أرى أن الأخ شرحبيل قد جاء وبصحبته ضيف كريم.. هلا عرفتنا بضيفك يا سيدى.
رد ابن نوسة فى تواضع: لم أكن أستطيع أن آتى وحدى فى مناسبة كهذه، ويشرفنى أن أقدم لكم صاحب الأفكار، قطب الأحبار، الأستاذ حمامة الفلايكى الذى إليه يعود سر الفكرة التى قدمتها فى المؤتمر. نظر رأفت باشا إلى حمامة بانبهار، وعَلَت صيحات الاستحسان، والتهبت الأكف بالتصفيق.
وهنا انبرى أحد الصحفيين بسؤال: يا سيد شرحبيل.. لو أذنت لى ما معنى أن تتقدم فى مؤتمر المناخ بورقة بحثية فى قسم نظرة ما؟ هل نتحدث هنا عن مؤتمر دولى تشارك به دول العالم المهتمة بموضوعات التصحر والاحتباس الحرارى ونقص المياه أم نتحدث عن مهرجان سينمائى يمكن أن تشارك فيه خارج المسابقة الرسمية تحت اسم نظرة ما؟.
نظر شرحبيل فى حيرة مستنجدًا بصديقه الفلايكى الذى أمسك بالميكروفون وسأل الصحفى: من أى جريدة أنت؟ رد الرجل: من صحيفة الأضواء. قال حمامة: كنت متأكدًا أنك تنتمى إلى الصحافة الصفراء التى تكره الخير للناس، والغريب أن جريدتكم تسمى نفسها الأضواء.. اقعد يا ابنى وما تخلينيش أتغابى عليك.
قال حمامة هذا ثم نظر إلى رأفت المناخيرى فى عتاب: هل كنت تعرف يا باشا توجهات هذا الرجل قبل أن تدعوه فى هذه الليلة المباركة؟.. تلعثم الباشا وقال معتذرًا: أنا آسف يا جماعة، لقد كنت أحسبه من أصحاب النفوس الصافية والقلب الحلو، ومع هذا يمكننى أن أطرده حتى تطيب لنا السهرة بعيدًا عن الحاقدين. قال حمامة فى تأفف: لا داعى، يكفيه ما ناله من تقريع، والآن يا باشا نريد أن نفتتح البوفيه.
نظر رأفت إلى شرحبيل متسائلًا: ألا تنوى أن تحدثنا عن أهم ما جاء فى ورقتك البحثية قبل البوفيه؟.. أمسك شرحبيل بالميكروفون وقال: رغم أنى على لحم بطنى من الصبح، لكن دعونى أقُل إن أهم ما جاء بالورقة البحثية هو التشديد على أهمية أن نرش مية فى الصباح قبل أن نفعل أى شىء آخر، وهذا من شأنه أن يجلب الطراوة بقية النهار.. هذه هى الفكرة التى أدهشت الحضور.. والفضل كما أخبرتكم يعود إلى صديقى الفلايكى.