عريب الرنتاوي
نفترض أن الأرقام التي أدلى بها رئيس الوزراء عن “سكان الأردن”، تستند إلى آخر ما توفر لدى دائرتي الإحصاءات العامة والأحوال المدنية وغيرهما، من حقائق ومعطيات إحصائية، وأنها الأكثر دقة من بين كل ما يتطاير مع شائعات تجري صياغتها وفقاً للحسابات والمرجعيات التي تصدر عنها، ولا أحسب أنها مرتبطة بالحاجة لتسويق الأردن كسوق كبيرة، أمام رهط من المستثمرين العرب، كما قد يحلو للبعض أن يتصور.
ووفقاً لدولة الرئيس فإن أعداد الأردنيين بلغت 7 ملايين نسمة، منهم مليون أردني مقيم في الخارج، غالبيتهم بالطبع لغايات العمل ... أما من يتواجد على الأرض الأردنية، فهم حوالي العشرة ملايين، يتوزعون على النحو التالي: 1.4 مليون سوري، نعرف أن نصفهم مسجل كلاجئ على كشوف المفوضية السامية، والنصف الثاني إما غير مسجل، أو كان متواجداً على الأرض الأردنية قبل اندلاع الأزمة السورية، وحالت تطوراتها الدامية دون عودة من أراد منهم العودة إلى دياره، فاحتسبوا لاجئين، وهذا الرقم ثابت من أكثر من عام على أقل تقدير، وهو يتردد على ألسنة مختلف المسؤولين الأردنيين على اختلاف مواقعهم ومناصبهم، ولا أظنه أن يشمل الأردنيين “الشوام” أو الأردنيين من أصول سورية.
وهناك أيضاً ما يقرب من نصف مليون عرافي مقيم على الأرض الأردنية، لا أدري كم منهم يكتسب صفة لاجئ أو مقيم إقامة عادية، أو مستثمر أو عابر سبيل ... هذا الرقم مفاجئ لنا تماماً، وهو يكاد لا ينقص كثيراً عن أعداد اللاجئين العراقيين الفعلية في ذروة اللجوء العراقي إلى الأردن قبل بضعة سنوات ... كنا نتحدث عن أرقام تقل كثيراً عن نصف الرقم الذي كشف عنه الدكتور عبد النسور، يشمل الموجات المتعاقبة من اللاجئين العراقيين منذ العهد الملكي حتى يومنا هذا... ثم جاءت “واقعة الموصل” وعملية الهجرة الواسعة لمسيحيي العراق، وقيل أن عشرة آلاف منهم دخلوا الأردن واستجاروا بكنائسه، وهذا أمرٌ مفهوم ومحدود الأثر... من أين جاء رقم النصف مليون، سؤال مفتوح، أما السؤال المفتوح الآخر، فيتعلق بالوضعية القانونية لهؤلاء، من هم وبأي صفة يقيمون على الأرض الأردنية؟
لدينا أيضاً 45 ألف يمني وأقل منهم بقليل من الليبيين (35 ألف)، لم نفاجأ بهذه الأرقام، فقد جرى تداول أرقام قريبة منها مؤخراً... واللجوء اليمني إلى الأردن بدا واضحاً في الأشهر القليلة الفائتة، وطوابير العمالة اليمنية، بدأت تغزو سوق العمل الأردني، وكذا الحال بالنسبة للمرضى والجرحى والمقيمين بانتظار أن تضع الحرب على اليمن، أوزارها... وكذا الحال بالنسبة لليبيين.
الرقم/ الصدمة، في حديث الرئيس أمام منتدى التواصل الاقتصادي الخليجي الأردني أمس الأول، يتعلق بأعداد الفلسطينيين من غير حملة الأرقام الوطنية الأردنية، أي من غير “الأردنيين من أصول فلسطينية” والذي “يزيد عن 2 مليون لاجئ فلسطيني” كما ورد نصاً في كلمة النسور ... من أين جاء هؤلاء؟ ... وكيف تشكل مثل هذا الرقم؟ ... قبل أقل من عام، قرأنا رقماً منسوباً لرئيس الوزراء تحدث عن مليون ونصف المليون، وكان في حينه مفاجئاً جداً، فنحن نتداول منذ عدة سنوات، أرقاماً تراوح حول المليون، تزيد قليلاً أو تنقص قليلاً، فإذا بها تتضاعف بنسبة مائة بالمائة تقريبا، وخلال زمن قياسي.
هل كانت أرقامنا القديمة خاطئة، وهل قرر دولة الرئيس تصحيحها؟ ... هل شهدت البلاد موجات هجرة واسعة للاجئين فلسطينيين، ومن أين، من سوريا أم من الضفة الغربية؟ ... هل هي حصيلة تطبيق “التعليمات”، غير الشفافة، ويقال غير المكتوبة، لقرار فك الارتباط؟ ... هل هم مقيمون على الأرض الأردنية من حملة الجوازات والأرقام الوطنية الفلسطينية... كيف تشكل هذا الرقم ومن أين جاء؟ ... هذا الرقم يزيد عن إجمالي سكان قطاع غزة، ولا يقل كثيراً عن إجمالي سكان القدس والضفة الغربية، وهو أكثر من ضعف عدد اللاجئين المسجلين في سوريا ولبنان معاً... نأمل أن يتقدم “أحدٌ ما” بتوضيح كيفية تشكل هذا الرقم وتراكمه.
مجمل الأرقام السابقة، يجعل من سكان الأردن يراوحون عند حدود العشرة ملايين نسمة ... لكن إجمالي سكان الأردن من مواطنين وضيوف، يبلغ 11 مليون كما يقول دولته ... فمن أين جاء المليون الإضافي؟ ... أحسب أنهم يندرجون في إطار “الأعداد الأخرى من أقطار عربية وإسلامية” على حد تعبير النسور، فنحن نتداول أرقاماً حول المصريين في الأردن، تزيد دائماً عن النصف المليون، وهناك آسيويون في قطاع الزارعة والإنشاءات وخدم المنازل، فضلاً عن جاليات مقيمة أقل وزناً وتأثيرا.
لأسباب مفهومة، توقف الرئيس عن الكلام المباح، ولم يفصّل في “تركيبة” الملايين السبعة من الأردنيين، المقيمين منهم على أرضهم (6 ملايين) أو المغتربين، لم يتحدث عن أعداد الأردنيين من أصول فلسطينية أو أصول أردنية، وإن كنا نفترض أن الغالبية العظمى من المليون مغترب أردني في الخارج، إنما هم من الأردنيين من أصول فلسطينية ... على أن الموضوع برمته، لم يعد أمراً ذا شأن على أية حال، في ظل “الانفجار السكاني” الأردني، وتحول الأردن من بلد “المكونين” إلى بلد “المكونات الأربع”.
المعلومات التي باح بها رئيس الحكومة، تؤكد بالأرقام أن الأردن يتغير جذرياً، وهذا يطرح أسئلة جوهرية حول قضايا الهوية والاندماج، أغلب دراسات الهجرة تشير أن نصف اللاجئين أو يزيد، لا يعودون عادة إلى بلدانهم الأصلية، خصوصاً إن طال بهم المقام في الدولة المضيفة، والعراقيون في الأردن، يعطون الدليل على صحة هذا التقدير/ الاستنتاج، وإن طال المقام باللاجئين السوريين في الأردن، فلن يكونوا استثناءً، ومن قبلهم ظهّرت الهجرات الفلسطينية المتعاقبة الحقيقة ذاتها ... مثل هذه النتيجة، تملي على صناع القرار، التفكير استراتيجياً بأسئلة المستقبل، وليس ثمة ما هو أكثر أهميةً، من أسئلة الهوية وتحديات الادماج، سيما وأن السنوات المقبلة، ستشهد دخول مكونات وازنة أخرى (سورية وعراقية) على أسئلة الجدل الذي لم يهدأ بين المكونين الديموغرافيين الرئيسين في البلاد: الأردنيين والفلسطينيين.