عريب الرنتاوي
وجّه الرئيس أوباما خطاباً للأمة الأمريكية المكلومة بواقعة «ذبح» الصحفي الأمريكي جيمس فولي على يد «داعش» ... ملخص الخطاب أن التنظيم الإسلامي المتشدد، قد تحول إلى سرطان يتهدد العالم، يتعين استئصاله، وأن ذلك لن يتم إلا بتحالف إقليمي – دولي ينشأ لهذا الغرض.
لكن الرئيس الأمريكي أخفق في شرح الظروف والملابسات التي حولت تنظيماً صغيراً، لم يكن تعداده يتجاوز المئات، إلى دولة وجيش وعشرات الألوف من الانتحاريين من 85 جنسية ... أوباما يعرف، أن حلفاء بلاده الأقرب والأوثق، هم من وفر لـ «داعش» شرايين الحياة»، فكرياً ومالياً وتسليحياً ولوجستياً ... أوباما يعرف أكثر منا جميعا، من أين جاء هؤلاء بفكرهم التكفيري المتطرف، وبأموالهم ورجالهم، وكيف وصلوا إلى سوريا، وعبر أية حدود ... أوباما وإدارته يعرفون كل ذلك وأكثر منه، بيد أنهم كانوا يراهنون على دور حاسم لـ «داعش» في اسقاط نظام الأسد، وبعدها لكل حادث حديث.
ويبدو أن الإدارة الأمريكية، وبرغم ارتفاع منسوب قلقها من «داعش» بعد اقترابها من أربيل وذبحها لجيمس فولي، لم تغادر هذا المربع بعد .... ليس هناك أولاً؛ ما يشي بأن «داعش» في سوريا، ستكون هدفاً للضربات العسكرية الجوية الأمريكية ... وليس هناك ثانياً؛ ما يشير إلى استعداد أمريكي، لقبول نظام الأسد في إطار التحالف الدولي – الإقليمي المزمع إنشاؤه من أجل محاربة «داعش» واستئصالها.
بل على العكس من ذلك، رأينا الرئيس الأمريكي، يعيد تكرار ذات الجمل، التي تسلل تحت جناحها حلفاء واشنطن، لدعم «داعش» و»النصرة» وأخواتهما طوال الأعوام الثلاثة الفائتة... حديث ملتبس عن دعم ملتبس لمعارضة معتدلة ملتبسة، والهدف محاربة «داعش» و»الطاغية» على حد سواء ... في الخطاب الأخير، أعاد الرئيس الأمريكي تكرار الموال ذاته، ضارباً عرض الحائط، مواقف ومصالح فرقاء أساسيين، لا يمكن الحديث عن ائتلاف دولي -إقليمي مناهض للإرهاب من دونهم (روسيا، الصين، إيران)، فكيف سينجح الرئيس في مسعاه والحالة كهذه؟
في سوريا، التي انتعش الإرهاب في شمالها الشرقي، بتمويل «نفطي» وتسهيلات تركية وفكر وهابي أشد تطرفاً، لا توجد قوة على الأرض، قادرة على التصدي لـ «داعش» وجيوشها التي تقول مصادر أنها جاوزت الخمسين ألف مقاتل، إلا النظام السوري وجيشه وأجهزته الأمنية ... فهل واشنطن مستعدة للانفتاح على دمشق، وإدراجها في «التحالف» المذكور، أم أنها ما زالت تريد ضرب النظام بـ «داعش» و»داعش» بالنظام، في حرب الإفناء المتبادل حتى آخر سوري؟
وبفرض نجاح «التحالف» في ضرب داعش في العراق، وثمة مؤشرات قوية، ترجح احتمال كهذا، فأين ستذهب داعش بـ «فائض قوتها» المتراكمة على الأرض السورية ... وهل سيبقى خطرها محصوراً بالجغرافيا السورية، أم أنها ستكون عرضة للتمدد والانتشار غرباً وجنوباً .... ما الذي سيفعله السيد أوباما إزاء سيناريو كهذا؟
حتى الأمس القريب، ظلت الولايات المتحدة تتبنى رواية تقول إن داعش صنيعة النظام السوري وابنته غير الشرعية، وهي رواية «اشترتها» عن دهاء، من بعض أوساط المعارضة، وهي تعلم علم اليقين أنها غير صحيحة، لكنها تفي بغرض «صرف النظر» عن داعش إلى حين، وإعطاء ضوء «برتقالي» لحلفائها، بمدها بما تحتاجه من أموال وتسهيلات علّها تنجح في تغيير قواعد اللعبة في سوريا.
فكرة التحالف الدولي – الإقليمي لمحاربة الإرهاب، فكرة صحيحة مائة بالمائة، ولقد كنا قد دعونا إليها منذ فترة من الزمن، وفي هذا الزاوية بالذات ... لكن الفكرة لن تستقيم، طالما أن واشنطن ما زالت تشهر الفيتو في وجه انضمام لاعبين مؤثرين إلى صفوف هذا الائتلاف، وتكيل بمكيالين في النظر إلى الإرهاب وداعميه وساحات قتاله ... تحارب داعش في العراق، وتتسامح معها في سوريا ... تتهم النظام السوري بخلقها، وتغمض أعينها عن الآباء الحقيقين لهذه الظاهرة، من حلفاء واشنطن الأقربين.
وإلى أن تتضح الرؤية الأمريكية، وتقرر واشنطن أن لا مكان لـ «داعش» في جميع دول المنطقة، وليس في بعضها فحسب، وأن مطاردتها واجبة حيثما وجدت وانتشرت، وأن أي دعم أو تسهيل أو تبرير لأعمالها، يوجب الاستهداف وفقاً لمقتضيات القرار 2170 وفصله السابع، ومن دون تردد، حتى وإن كان الفاعلون من أصدقاء واشنطن وحلفائها ... إلى أن تحسم واشنطن أمرها من كل هذه الموضوعات، ستبقى حكاية التحالف الدولي – الإقليمي، مجرد مسرحية سمجة ودامية.