الحكومة وتكتيك «قذف الكرة في ملعب النواب»

الحكومة وتكتيك «قذف الكرة في ملعب النواب»

الحكومة وتكتيك «قذف الكرة في ملعب النواب»

 لبنان اليوم -

الحكومة وتكتيك «قذف الكرة في ملعب النواب»

عريب الرنتاوي

درجت الحكومة مؤخراً على إلقاء مسؤولية “تنظيم الحوار الوطني” بشأن قوانين الإصلاح السياسي على كاهل مجلس النواب، فعلت ذلك عندما أحالت مشروع قانون الأحزاب للمجلس، وكررت فعلتها عندما أحالت مشروعي قانوني البلديات واللامركزية، وهي تتحدث منذ الآن، عن مسؤولية المجلس في إدارة الحوار الوطني العام حول مشروع قانون الانتخاب.

نحن لا ننكر على المجلس حقه (وواجبه) في القيام بشتى أشكال ومستويات التشاور والحوار مع مختلف الأطراف ذات الصلة بكل تشريع يُعرض عليه، بل أننا من الداعين لتطوير هذا الجانب في عمل المجلس باستمرار، باعتباره معياراً من معايير الأداء الرشيد للبرلمان، بيد أننا لا نريد لذلك أن يعني للحظة واحدة، إعفاء الحكومة من مسؤوليتها في إدارة وتنظيم مثل هذه الحوارات، والعمل من دون كلل أو ملل، من أجل بناء توافقات وطنية عريضة، سيما  حول القوانين ذات الحساسية الخاصة أو الأهمية الاستثنائية كقانون الانتخاب بخاصة.

الأصل، أن تتولى السلطة التنفيذية وهي في معرض “التحضير” لتشريعات من هذا النوع، إدارة سلسلة من الحوارات والاستشارات و”جلسات الاستماع”، من أجل بلورة مشروع توافقي، أو أقرب ما يكون للتوافق الوطني العريض، وبالأخص حين يتعلق الأمر بقانون الانتخاب، الذي يُنظّر إليه بوصفه “العمود الفقري” لرزمة التشريعات الإصلاحية، ومحور عملية الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في البلاد.

لكن بدلاً عن ذلك، رأينا كيف أن الحكومة اختارت أن “تريح رأسها” بإيكال المهمة لغيرها، وفي هذا تخلٍ عن صميم تفويضها وولايتها الدستورية، سيما وأنها تدرك تمام الإدراك، أن حواراً تقوده الحكومة رئيساً وفريقاً وزارياً، يكتسب مغزى مغايراً عن ذاك الذي تستضيفه وتديره لجان المجلس الدائمة، مع كل الاحترام والتقدير للمجلس مؤسسةً ولجاناً ونواباً ورئيسا ... فلماذا تفعل الحكومة ذلك، وهل أصبح هذا “التكتيك” نهجاً معتمداً في قادمات الأيام؟

في ظني، وليس كل الظن إثم، أن الحكومة تدرك صعوبة بناء توافق وطني عريض حول قانون الانتخاب، والأهم أنها تدرك بأنها ليست “طليقة اليدين” في تقرير أمر القانون الجديد، فهناك حسابات ومصالح ومراكز، لها رأيها “الحاسم” أيضاً في أمر هذا القانون، وهي تفضل إدارة حوار داخلي مع مؤسسات الدولة  المختلفة ومراكز صنع القرار فيها، على ان يتولى مجلس النواب الحوار الخارجي مع بقية مكونات المجتمع الأردني.

وتدرك الحكومة، أن حواراً يديره المجلس قد لا يكون ملزماً لأحد، وقد ينتهي من حيث بدأ في أول جلسة عامة يعقدها وعند أول تصويت على مشروع القانون، سيما بوجود غالبية نيابية مضمونة وجاهزة للتصويت على أي مشروع قانون تريده السلطة التنفيذية، ويكفي أن تشارك جهات أخرى الحكومة عملية “حشد التأييد” في المجلس للقانون، حتى يصبح إقراره أمراً لا يأتيه الشك عن يمين أو شمال، حتى وإن كان من أسوأ القوانين التي عرفتها التجربة الانتخابية الأردنية.

في حين أن الحوار العام الذي ترعاه الحكومة وتنخرط فيها مباشرة، يمكن أن يرتب عليها التزامات وتعهدات، قد لا تريدها، وقد لا تستطيع الوفاء إن هي أرادتها ... هنا ستجد الحكومة نفسها أمام احتمالين أحلاهما مُرُّ: فإما أن تقامر بتأزيم علاقاتها مع بقية أركان ومراكز صنع القرار في الدولة إن هي انحنت لرياح الغالبية الشعبية، أو أنها ستجد نفسها في صدام مع هذه الغالبية، في حال أدارت أذنا من طين وأخرى من عجين لكل المطالبات والنداءات التي سترفعها في أثناء الحوار.

في التجربة الأردنية، ثمة “سوابق” لحوارات انتهت بنتائج إيجابية، وغالبية الحوارات والمبادرات الأردنية انتهت بنتائج إيجابية، من “الأردن أولاً” وحتى “لجنة الحوار الوطني” مروراً بتجربة “الأجندة الوطنية” الهامة للغاية، لكن مشكلة هذه الحوارات والمبادرات جميعها، أن لقيت مصيراً واحداً: الترك والنسيان، وتحملت الدولة والحكومات المتعاقبة تبعاً لذلك، عواقب وعقابيل هذا المصير، تآكلاً في صدقيتها، وإضعافاً لصورتها وهيبتها وتشكيكاً في جديتها.

يبدو أن “أحداً ما” تنبه لهذه التجربة واستقى دروسها جيداً، إلى الحد الذي لم نعد فيه نرى حواراً تقوده الحكومات وترعى نتائجه، بل وبدأنا نرى “تقليداً” جديداً في حياتنا السياسية الداخلية، يقوم على قذف الكرة في الملعب المضمون، ملعب مجلس النواب.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحكومة وتكتيك «قذف الكرة في ملعب النواب» الحكومة وتكتيك «قذف الكرة في ملعب النواب»



GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 16:02 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 16:00 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 15:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 15:52 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لحوم العلماء ومواعظهم!

GMT 15:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وجع فى رأس إسرائيل

GMT 15:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حكم «الجنائية» وتوابعه

GMT 15:44 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

«الثروة» المنسية ؟!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon