ثورة على أنظمة «المحاصصة» وأحـزاب الطوائـف والمـذاهــب

ثورة على أنظمة «المحاصصة» وأحـزاب الطوائـف والمـذاهــب

ثورة على أنظمة «المحاصصة» وأحـزاب الطوائـف والمـذاهــب

 لبنان اليوم -

ثورة على أنظمة «المحاصصة» وأحـزاب الطوائـف والمـذاهــب

عريب الرنتاوي

عَجِز نظام “المحاصصة” المذهبية والطائفية عن جمع القمامة في بيروت، ولم ينجح في تأمين الماء والكهرباء لأهل العراق، دع عنك حفظ وحدة البلاد وأمنها واستقرارها ونمائها ... نحن إذن، إمام أنظمة مصابة بـ “إعاقة بنيوية”، تجعل منها أنظمة خارج العصر بقواعده وقيمة ومعاييره.
أنظمة الطوائف والمذاهب، مُولِّدة بحكم طبيعتها، للفساد بشتى صوره وأشكاله، فيها تترعرع الزبائنية والمحسوبية والواسطة، ومن رحمها تُخلق طبقة من الفاسدين والحكام والإداريين غير الأكفّاء، لا مطرح فيها للمساءلة والمحاسبة، ولا مكان بين ظهرانيها لمعايير جودة الأداء أو كفاءته ... فأنت مدين لطائفتك أو مذهبك أو “هويتك الفرعية” في كل ما أنت فيه وعليه، ولا معنى هنا لمفهوم المواطنة وتكافؤ الفرص والعدالة أو المساواة وسيادة القانون ... قوانين الملل والنحل هي السائدة، وأمراء الطوائف والمذاهب هم المراجع و”المرجعيات”، لا فرق إن كانوا زعماء “مُعَممين” كما في عموم الطبقة السياسية العراقية الجديدة، أم ساسة بـ “الجنيز” أو “البولو شيرت” كما هو حال نظرائهم اللبنانيين.

والطائفية والمذهبية، واستتباعا، أنظمة “المحاصصة” المتأسسة عليها، هي نتاج “تسييس الدين” أو “تديين السياسة” ... كل خطاب ديني، سينتج خصومه ونقيضه ومجادليه بالضرورة والتعريف، فما أن تُشهر عن حزب مسيحيي حتى تتكاثر الأحزاب الإسلامية، والعكس صحيح ... وما أن تعلن عن قيام جماعة سنيّة، حتى تتناسل أحزاب وجماعات المذاهب الأخرى، وهذا أمر إنساني، فتحديد هوية مذهبية أو دينية لجماعة سياسية معنية، سيدفع كل من هو خارجها، للبحث عن هوية دينية أو مذهبية يتميز بها، أو يميز بها نفسه عن الآخرين كذلك ... لذلك قضت دساتير وأعراف دول عدة، بمنع قيام الأحزاب والجماعات على أسس دينية أو مذهبية.
وتستمر متوالية الانقسامات بفعل فعلها، فإن أنت أعلنت عن حزب ذي مرجعية إخوانية، توالدت الأحزاب السلفية والصوفية وغيرها، فتصبح الطائفة الواحدة، أو المذهب الواحدة، نهباً لمفاعيل تلك المتوالية، وانظروا إلى العراق، كم من حزب وجماعة وميليشيا متناحرة بمرجعية شيعية، وكم منها بمرجعيات سنيّة مختلفة ومحتربة... انظروا إلى سوريا، وحروب الإخوة الأعداء، بين مدارس الإسلام السياسي السني المسلحة، كيف يكفّر بعضها بعضاً، وأغلبها من مرجعية سلفية مُرَجّحة، وكم من القتلى والجرحى قد سقطوا في حروب البحث عن “الإسلام الصحيح”.

لا يمكن لحزب ديني أو بمرجعية دينية، إلا أن يكون طائفياً أو مذهبياً، اللهم باستثناء تلك التي جعلت من الدين منظومة قيمية وأخلاقية مجردة، لا أكثر، ولم ترغب في جعله نمط حياة ومرجع مؤسس للحياة السياسية والاجتماعية ... ولم أعرف عن حزب بهذه المرجعية، لم ينزلق إلى مستنقع المذهبية والطائفية، أو نجح في الارتقاء إلى مصاف الحزب الوطني/ القومي الجامع والجمعي على المديين المتوسط والبعيد ... صحيح أن بعض الأحزاب الدينية ينجح في لحظات معينة من التاريخ في كسب تأييد مواطنين من مذاهب وأديان أخرى: حماس في فلسطين، حزب الله في لبنان على سبيل المثال لا الحصر، لكن على المديين المتوسط والبعيد، نرى الفشل قرين تجربة هذه الأحزاب والجماعات، إذ تبدأ الجماعات الأخرى بالانفضاض من حولها، عند أول مواجهة أو اشتباك في قضايا الحقوق والحريات وتطبيقات الشريعة والأحوال المدنية ونظام الحكم والتعددية إلى غير ما هنالك من عناوين، هي بمثابة “خطوط تماس” قادمة لا ريب فيها.

بهذا المعنى، فإن نجاح الأحزاب ذات المرجعية الدينية أو المذهبية في قيادة دفة البلاد والعباد يظل نسبياً في الزمان والمكان، ومشروطاً ... كلما اقتربت من ضفاف الخطاب المدني – الديمقراطي ذي المرجعية الوطنية / القومية الجامعة، كلما طال أمد نجاحها وتقدمها، وكلما ابتعدت عن هذا الفضاء وانغلقت على خطابها “المؤسس” كلما تسارعت وتيرة انحدارها وتراجعها: تركيا العدالة والتنمية تعطي أفضل النماذج لحالتي الصعود والهبوط معاً ... فالحزب الذي قاد “المعجزة التركية” في العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين، انتهى به المطاف إلى معول هدم للنسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية في البلاد، فعادت المسألة الكردية إلى مربعها الأول، ونشأت مسألة علوية، وتحول المجتمع التركي إلى مجتمع مستقطب بالكامل، أقل من نصفه يؤيد العدالة والتنمية في مختلف الظروف، والبقية تناصبه العداء ولا تقف على الحياد، هؤلاء ليسوا كتلة مترددة كما في الديمقراطيات المستقرة، وفي تركيا الحديثة، من ليس مع الحزب الحاكم فهو ضده، وهذا هو جوهر خطاب زعيم الحزب على أية حال.

وبهذا المعنى أيضاً، فقد آن أوان مراجعة بعض الفرضيات والمسلمات التي نشأنا عليها، كالقول مثلاً أن الدين عامل توحيد للأمة، وانظروا إلى انقسامات وحروب المجتمعات العربية والمسلمة الداخلية منها والخارجية، بمن فيها تلك المجتمع المسلمة بالكامل أو ذات الأغلبية الكاسحة من المسلمين، جميع حروبها وانقساماتها، ذات طابع طائفي ومذهبي، ومعظم إن لم نقل جميع، أطراف هذه الصراعات والحروب، ينتمون لمنظمات وجماعات وجهات، ذات مرجعية دينية، أو تدعي النطق باسم “صحيح الإسلام”، أو ربما تستخدم الدين كوسيلة لخدمة أهداف سياسية: تعددت الأسباب والنتيجة واحدة.

وتزداد خطورة الدور التفتيتي لأحزاب المرجعيات الدينية والمذهبية، في بلدان “الفيسفساء” القومية والعرقية والدينية، مثل دول المشرق العربي، وتحديداً في الهلال الممتد من بغداد حتى بيروت، مروراً بدمشق، الوضع في الخليج ليس خروجاً عن هذه القاعدة ... هنا بالذات، لا يمكن لحزب ديني أو مذهبي، أن يكون توحيدياً، فهو بالضرورة سيُنتج نقيضه، أو ربما يكون قد نتج عن نقيضه ... وحاصل جمع أحزاب تفتيتية قائمة على الهويات الفردية، لا يمكن أن يفضي إلى وحدة وطنية صلبة ومستدامة، لا يمكن ان يخلق دولة المواطنة المتساوية والقانون الواحد، والفرص المتكافئة للجميع.

انتفاضة الشعبين العراقي واللبناني (بالأخص العراقي) ضد أحزاب الطوائف والمذاهب، تكشف مأزق وإفلاس نظام المحاصصة وأحزاب المذاهب والطوائف، وتستعير روح “الربيع العربي” في وقت ظننا أنها صعدت إلى باريها، وتعيد الاعتبار للخطاب المدني – الديمقراطي ودولته وأدواته، باعتباره وحده القادر على التصدي بنجاح لتحديات العصر ومتطلباته... وحده القادر على توحيد الشعوب والمجتمعات وحفظ انسجامها وتعددها المثري للحياة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثورة على أنظمة «المحاصصة» وأحـزاب الطوائـف والمـذاهــب ثورة على أنظمة «المحاصصة» وأحـزاب الطوائـف والمـذاهــب



GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 16:02 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 16:00 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 15:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 15:52 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لحوم العلماء ومواعظهم!

GMT 15:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وجع فى رأس إسرائيل

GMT 15:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حكم «الجنائية» وتوابعه

GMT 15:44 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

«الثروة» المنسية ؟!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon