سؤال «الإرهاب» المفتوح

سؤال «الإرهاب» المفتوح

سؤال «الإرهاب» المفتوح

 لبنان اليوم -

سؤال «الإرهاب» المفتوح

عريب الرنتاوي

لا تكف روسيا عن المطالبة بتزويدها بقائمة للفصائل المصنفة “إرهابية” في سوريا... الطلب ذاته، يُطرح بصيغة مختلفة من نوع: أعطونا قائمة بأسماء و”إحداثيات” انتشار “المعارضة المعتدلة” لكي نتفادى ضربها واستهدافها ... لا أحد يتبرع بالاستجابة لهذا المطلب أو الرد عليه، أياً كانت “الصيغة” التي يعرض بها.
في فيينا جرى التوافق على “رسم خريطة” القوى المسلحة” في سوريا، وعددها بالمئات، لتميز غثّها عن سمينها، والاتفاق على ما هو “إرهابي” وما هو “معتدل” من بين صفوفها ... لا أحد يريد أن يجري نقاشاً جدياً حول هذه المسألة، فمعظم الأطراف تريد أن تُبقي سؤال “الإرهاب” مفتوحاً.
“الغموض غير البناء” الذي تحرص أطراف عديدة على إحاطة هذه المسألة به، لا يعود إلى تعقيداتها، أو صعوبة توفير الإجابة على هذا السؤال، بل إلى اختلاف النظرة، النابع من اختلاف المصلحة، في تعريف “الإرهاب” وتمييزه عن “الاعتدال”، وثمة اطراف لا تريد أن تقيد أيديها بإعطاء أجوبة محددة على السؤال المحدد، فالإرهاب ما زالت له وظيفة لم تُستنفذ بعد، وبعض الأطراف، لم تُسلم حتى الآن، بضرورة الامتناع عن اللعب بورقته لتحقيق أهداف سياسية محددة.
تركيا على سبيل المثال، ترى في الجماعات الكردية، وتحديداً وحدات الحماية الشعبية، تنظيماً إرهابياً بامتياز، مع ان واشنطن والغرب عموماً، يريان فيها حليفاً موثوقاً ومؤهلاً للحصول على الدعم والإسناد والغطاء الجوي والأسلحة والتدريب ... روسيا تشاطر واشنطن وجهة نظرها وتقييمها لهذه الجماعات.... تركيا التي اضطرت بعد ضغوط المجتمع الدولي، للنظر إلى داعش كفصيل إرهابي، ما زالت تحتفظ بقنوات مفتوحة مع “النصرة” وأحرار الشام” وغيرها من الفصائل الجهادية المتطرفة.
إيران، جرياً على تقييم النظام السوري وحزب الله، ترى أن كل من يحمل السلاح ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، إرهابياً، وهي وإن أصدرت بين الحين والآخر، تلميحات تشفُّعن قدر من الاستعداد لقبول التمييز بين جماعة مسلحة وأخرى، إلا أنها في سلوكها ومواقفها العامة، لا تميز أحداً عن الآخر.
قطر التي تحتفظ بتحالف استراتيجي مع جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة، بمن في ذلك إخوان سوريا، لم تخف موقفها الرسمي الداعم والمؤيد لـ “أحرار الشام” السلفية، وهي تضرب عرض الحائط بكل “التصنيفات الدولية” للجماعات الإرهابية التي تضع “النصرة” في صدارة قوائمها السوداء ... والدوحة تبدو مستعدة للتحالف مع كل شياطين الأرض، إن هم حملوا السلاح ضد نظام الأسد، وهي تشاطر السعودية نظرتها للنظام وحلفائه، بوصفهم إرهاباً موصوفاً، يستحق الاجتثاث والاستئصال.
في المقابل، لا تشاطر دولة الإمارات العربية المتحدة، السعودية وقطر وتركيا مواقفها وتصنيفاتها لخريطة الجماعات المسلحة في سوريا ... الإمارات المسكونة بهاجس الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية عموماً، تبدو أقرب في مواقفها إلى مواقف عمان والقاهرة، الأكثر توافقاً مع القراءة الروسية للمشهد السوري عموماً.
فوق كل هذه وتلك من دول المنطقة وعواصمها، يبدو الموقف الأمريكي متأرجحاً، لا يريد إثارة الانقسام في صفوف حلفاء واشنطن، ويتحاشى صب الحب في طاحونة الحركات الأصولية المتشددة، والأهم من هذه وذاك، ان واشنطن تريد أن تحتفظ لنفسها بهامش حركة واسع، يمكنها من توظيف الجميع، بمن في ذلك بعض الحركات الإرهابية المتطرفة كـ”النصرة” و”أحرار الشام” لإضعاف نظام الأسد وإنهاك حلفائه، ولعل هذا ما يفسر تحاشي الطائرات الأمريكية ضرب “النصرة” و”جيش الفتح”، بل وتنديدها بالضربات الروسية لهذه الفصائل.
وحول الموقف الأمريكي تدور مختلف المواقف الأوروبية وتتّبِعه، مع ميل فرنسي واضح ومستفز، للتماهي مع مواقف أنقرة والدوحة والرياض، بصرف النظر على كل “السرد” الفرنسي ضد التطرف والإرهاب والخطاب الديني الإقصائي.
لهذا السبب سيظل سؤال “الإرهاب” مفتوحاً، وستظل دعوات موسكو ومطالباتها، بمثابة صيحات في وادٍ سحيق، مع أن ألف باء الحرب على الإرهاب وشرط الانتصار فيها، إنما يتمثل في فرز الغث عن السمين، وتسمية الإرهابيين بأسمائهم، ووضع إحداثيات قواعدهم ومعسكراتهم وجحورهم، فوق الخرائط الكبرى المعلقة على جدران غرف العمليات.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سؤال «الإرهاب» المفتوح سؤال «الإرهاب» المفتوح



GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 16:02 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 16:00 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 15:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 15:52 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لحوم العلماء ومواعظهم!

GMT 15:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وجع فى رأس إسرائيل

GMT 15:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حكم «الجنائية» وتوابعه

GMT 15:44 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

«الثروة» المنسية ؟!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon