سوريا هل من نقطة فـي منتصـف الطـريــق

سوريا: هل من نقطة فـي منتصـف الطـريــق؟

سوريا: هل من نقطة فـي منتصـف الطـريــق؟

 لبنان اليوم -

سوريا هل من نقطة فـي منتصـف الطـريــق

عريب الرنتاوي

تقترب الأزمة السورية شيئاً فشيئاً من مفترق “استراتيجي” حاسم، حيث تبدو الخيارات مفتوحة على اتساعها، من التقسيم الواقعي لإمارات الطوائف والمذاهب والأقوام، توطئة – ربما – للترسيم النهائي... إلى سيناريو “التسوية السياسية” التي ستضع الحروب الدائرة في سوريا وعليها، على سكة أخرى، ولا نقول “التسوية التي تضع معها هذه الحروب أوزارها”... الأخبار السيئة من سوريا، أن أي سيناريو من السيناريوهات -حتى أكثرها تفاؤلاً- لن يضع في القريب العاجل أو المدى المرئي المنظور، حداً للتقتيل والتدمير والتخريب، فمشوار سوريا مع استعادة الأمن والاستقرار ما زال طويلاً وشائكاً ودامياً.

الجغرافيا السورية تتوزع على عدة خرائط وجبهات، تسيطر على كل “قطعة” منها، قوى مختلفة ... “سوريا المفيدة” تخضع لسيطرة النظام وحلفائه، وهي في الأساس دمشق وحمص وحماة وصولاً للساحل، مع مواقع ما زالت مهمة في كل من حلب والمحافظات الجنوبية وأطراف الحسكة ... تشكل مساحتها مع يقرب من ثلث الأراضي السورية، وفيها أكثر من نصف السكان ... نصف الجغرافيا السورية يخضع لسيطرة داعش، وبقية المناطق تتوزعها وحدات الحماية الكردية والنصرة وبقايا الجيش الحر بمسمياته وتحالفاته وغرف عملياته المختلفة والمصطرعة فيما بينها.

عسكرياً، وبعد سلسلة من الاختراقات التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه في أواخر العام الفائت ومطلع العام الحالي، يبدو أن الصورة آخذة في الانقلاب ... الجيش خسر تدمر وشمال شرق سوريا (إدلب وجسر الشغور) ويواجه وضعاً صعباً في محافظات الجنوب الثلاث (السويداء ودرعا والقنيطرة) وأطراف محافظة ريف دمشق ... والتقدم الذي يحرزه الجيش وحزب الله، لا يعني أن معركة القلمون والسلسلة الشرقية قد انتهت، كما أن “سوريا المفيدة” ذاتها، ما زالت “مفخخة” بالكثير من الجيوب والمناطق الخارجة عن طوع النظام وسيطرته، لعل أخطرها المنطقة الممتدة من جوبر إلى دوما، من دون أن ننسى اليرموك والحجر الأسود على أبواب الشام.

عسكرياً أيضاً، ومن حيث توازنات القوى، تتبلور الآن أربع قوى رئيسة مسيطرة على المساحة الأكبر من مسرح العمليات الحربية: الجيش والمليشيات المتحالفة معه ... “داعش” في الشمال الشرقي ما زالت “باقية وتمدد” ... “النصرة” وحلفاؤها من فصائل إسلامية وجهادية تشببها ولا تختلف عنها كثيراً، المنضوية في إطار جيش الفتح المدعوم من تركيا والسعودية وقطر ... وأخيراً وحدات الحماية الشعبية التي أظهرت شراسة في القتال من عين العرب إلى تل أبيض ... أما الجيش الحر، فليس له من تأثير يذكر إذا استثنينا “الجبهة الجنوبية” التي ما زالت أوضاعها متحركة ولم تستقر على صورة أو شاكلة محددة بعد.

خرائط القوى والمناطق و”الإمارات” المتنافسة، تثير خشية لدى كثير من الأطراف في المنطقة، بالذات دول الجوار ... تركيا لا تريد “دولة كردية” في شمال سوريا، وأردوغان يتوعد باتخاذ أي إجراء لمنع ذلك، وصحافة أنقرة تتحدث عن خطط لشريط عازل قد يمتد لثلاثين أو خمسين كيلومتراً في العمق السوري وبطول لا يقل عن 110 كيلومتراً على امتداد الحدود ... الأردن لا يريد لداعش او النصرة أن يرابط أيٌ منهما على حدوده الشمالية، ولهذا يتحدث عن “دعم وتسليح العشائر”، ويتبنى بصورة غير رسمية “الجبهة الجنوبية”، والأنباء تتحدث عن تعزيزات عسكرية على الحدود الشمالية، وسيناريوهات الشريط العازل في الجنوب تتطاير تزامناً مع أنباء “الشريط الشمالي”.
حيال وضع كهذا، تبدي أطرافٌ إقليمية ودولية قلقاً وتحسباً من تحديات المرحلة المقبلة وأخطارها ... روسيا لا تكف عن تجديد دعمها للنظام ورئيسه، وآخر تأكيد على ذلك جاء في اللقاء الذي جمع فلاديمير بوتين بوليد المعلم، وإيران تتحدث عن خطوة نوعية استراتيجية لتظهير الحلف المناهض للإرهاب، في إشارة إلى تطوير تحالف إيراني – عراقي – سوري مع بقية القوى “اللادولاتية” القريبة من هذا الحلف: حزب الله والمليشيات العراقية والحوثيين، الأرجح أن تظهيره سيكون ممكنا بعد التوقيع على الاتفاق النووي وليس قبله ... وقاسم سليماني يتحدث عن جيش من 150 ألف مقاتل ينتشر على امتداد هذا المحور تحت شعار محاربة داعش والإرهاب.

الأنباء التي تتحدث عن تقارب في المواقف بين روسيا والولايات المتحدة، لا تنقطع ... بعضها يرجح قبولاً أمريكياً – غربياً، يعارضه المثلث الإقليمي (السعودي -التركي -القطري) لبقاء الأسد لمرحلة انتقالية مع حكومة بصلاحيات واسعة، تجمع النظام والمعارضة ... وبعضها الآخر، يشير إلى استعداد روسي لبحث مستقبل الأسد “ما بعد المرحلة الانتقالية” ... كلا المقاربتين تنطلقان من إقرار بالحاجة للحفاظ على الدولة ومؤسساتها وجيشها، حتى لا تقع سوريا برمتها تحت قبضة التطرف والإرهاب.
المعارضة السورية السياسية رسمت في القاهرة برنامجها على مقاس خطوط التلاقي بين موسكو وواشنطن، وأصدرت تصوراً للحل يلحظ الحوار والتفاوض مع النظام، ولا يشترط إسقاط الأسد أو تنحيته كشرط لبدء الحوار والتفاوض، بل ربما كنتيجة ختامية للمسار الانتقالي ... أما في إسطنبول، فإن المعارضة بصدد انتخابات جديدة، وجولة جديدة من الصراع السعودي – التركي – القطري، على الهيمنة على الائتلاف السوري المعارض ... تركيا تمسك اليوم بزمام هذا الائتلاف، عبر رئيسه المقرب (يقال العضو) من حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم... نتائج الانتخابات أياً كانت لا تدعو للتفاؤل بتغير جوهري في موقف وموقع الائتلاف الذي ربط نفسه تماماً بحركة هذا المثلث الخليجي – التركي وتوازناته.

ثمة إذن، نقطة في منتصف الطريق إلى الحل، وتتعلق بمصير الأسد ... إذ يبدو أن وجوده في مرحلة انتقالية أمراً يمكن أن يكون جزءاً من الحل و”الصفقة الكبرى”، على ان بقائه للأبد، وفقاً للشعار السلطوي الشهير في دمشق، بات من الماضي ... حتى الآن، لا نعرف بالضبط كيف سيكون الأداء الإيراني في هذه المسألة بعد التوقيع على “النووي”، هل ستلاقي إيران القوى الدولية في منتصف الطريق، أم أنها ستفضل خيار المواجهة؟ ... إيران نفسها لا تتحدث بلغة واحدة في هذا المجال، ومستقبل الأزمة السورية، ربما يكون رهناً بموازين القوى بين متشددي طهران وإصلاحييها، وتلكم مفارقة كبرى إضافية، في منطقة، يبدو تاريخها المعاصر، تاريخ مفارقاتها النافرة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا هل من نقطة فـي منتصـف الطـريــق سوريا هل من نقطة فـي منتصـف الطـريــق



GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 16:02 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 16:00 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 15:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 15:52 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لحوم العلماء ومواعظهم!

GMT 15:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وجع فى رأس إسرائيل

GMT 15:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حكم «الجنائية» وتوابعه

GMT 15:44 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

«الثروة» المنسية ؟!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon