صادم و مخجل

"صادم" و "مخجل"

"صادم" و "مخجل"

 لبنان اليوم -

صادم و مخجل

عريب الرنتاوي

أن يعلن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة عن خلو صناديقه من أية أموال تمكنه من الاستمرار في تقديم العون الإغاثي لمئات ألوف اللاجئين السوريين، فهذا يعني جملة من الحقائق السوداء، أولها: أن المجتمع الدولي بصدد إدارة ظهره لقضية اللاجئين السوريين حتى في بعدها الإنساني الأساسي ... وثانيها: أن كارثة إنسانية ستلحق بهؤلاء الذين طالما نظروا للإغاثة الدولية على أنها “سداد للرمق” من خطر الموت جوعاً وبرداً ومرضا ... وثالثها: أن الدول المستضيفة، وأغلبها فقيرة في اقتصادياتها ومواردها، ستجد نفسها أمام خيارين أحلاهما مُرُّ.

الخيار الأول، ألا تكتفي هذه الدول بإغلاق بواباتها ومعابرها وحدودها في وجه المزيد من موجات اللجوء واللاجئين فحسب، بل وأن تشرع في إعادة من أمكنها إعادتهم من اللاجئين إلى ديارهم التي خرجوا منها، سواء لأسباب أمنية – سياسية أم لأسباب اقتصادية – اجتماعية ... أما الخيار الثاني، فهو أن تتحمل أكلاف إقامة هؤلاء طويلة الأمد، ومواجهة حالات الغضب والتمرد وارتفاع معدلات الجريمة، فالجياع لا يمكن التنبؤ بسلوكهم، ولو كان الجوع رجلاً لقتلته.

ينقلنا هذه التطور الخطير إلى تطور آخر، لا يقل مأساوية ومدعاة للخجل، ظهر في تقرير أخير لمنظمة العفو الدولية التي وصفت مواقف دول الغرب الغنية من أزمة اللجوء السوري بـ “الصادم”، فيما وصّفت مواقف دول عربية أيضاً بالمثير لـ “الخجل” ... فمن لديه القدرة من أغنياء المنطقة والعالم، يقف متفرجاً أو يكتفي بتقديم النزر اليسير، أما فقراء هذه المنطقة، فهم المنوط بهم تحمل أعباء أزمة إنسانية غير مسبوقة في تاريخ الحروب والكوارث الطبيعية والاجتماعية.

نحن في الأردن، ننتمي لخانة الدول الفقيرة في اقتصادها ومواردها، وغنية بأعداد اللاجئين السوريين الذين لم يجدوا ملاذاً آمناً سوى الأردن فلاذوا به ... ولقد استجاب الأردن، مجتمعاً قبل الحكومة، لهذا النداء الأخوي – الإنساني، وفتح الأردنيون قلوبهم قبل بيوتهم لإخوانهم وأخواتهم السوريين والسوريات، واعتمد الأردن سياسة الحدود المفتوحة، وكرّست قواته المسلحة طاقات هائلة لاستقبال هؤلاء وإيوائهم والسهر على أمنهم وحمايتهم، وتطوعت عشرات الجمعيات الخيرية والإغاثية ومؤسسات المجتمع المدني للقيام بما تقدر عليه من مهام، لجعل إقامة السوريين في بلدهم الثاني مريحة إلى حد ما.

لكن “العين بصيرة واليد قصيرة”، وكان واضحاً لكل ذي عين بصيرة، أن الأردن سيُترك ذات يوم ليواجه أعباء اللجوء السوري منفرداً، وهي مهمة فوق طاقاته الاقتصادية وموارده الطبيعية ... ويبدو أن لحظة الحقيقة قد أزفت، فالأزمة طالت واستطالت بأكثر مما قدر أكثر المتشائمين، وهي مرشحة لسنوات أخرى من إراقة الدماء وانعدام الأمن والاستقرار، ويبدو أنه سيتعين على الأردن والأردنيين أن يعيشوا ويتعايشوا مع هذا التحدي لسنوات عديدة أخرى قادمة.

إلى جانب المساعدات المحدودة التي تلقاها الأردن لإغاثة أكثر من مليون لاجئ من دول عربية وغربية، تلقى الأردن الكثير من الإشادة والثناء لدوره القومي / الإنساني العظيم من دول المنطقة والعالم، لكن  هذه الدول، لم تفكر للحظة في مشاطرة الأردن جزءاً من أعبائه ... لم نتلق مبادرة واحدة من أية دولة شقيقة أو غربية صديقة، لاستضافة مائة ألف لاجئ على سبيل المثال، أو لافتتاح مخيمات إيواء على أراضيها، وهي التي تمتلك من الموارد ما يكفي لبناء معسكرات تستوعب جميع اللاجئين .

ليس موقفاً “صادماً” أو مدعاة “للخجل” فحسب، بل هو موقف شريك في صنع الكارثة الإنسانية التي أحاطت بسوريا دولة ومجتمعاً وشعباً، فمليارات الدولارات التي صرفت لإدامة الحرب في سوريا وعليها، كانت كفيلة باختزال معاناة السوريين واحتوائها ... و”العروبة” التي تحت لوائها جرى تمويل الحرب (قل الإرهاب)، كانت الضحية الأولى لها، وباسمها يواجه ملايين السوريين خطر الموت جوعاً وعطشاً وبرداً ومرضا... والتحريض على الحرب والفتنة والاقتتال المذهبي، هو المسؤول عن الكارثة التي يقف “الصادمون” و”المخجلون” حيالها موقفاً لا أبالياً، لكأن مهمتهم في تدمير سوريا قد أنجزت، ومن بعدها الطوفان.

والخلاصة، يحق لنا أن نفخر “بفقر” مواردنا وضعف اقتصادنا، فنحن على الأقل، كنا أغنياء بروحنا وأخلاقنا وعروبتنا وإنسانيتنا، ولم تسجل علينا لا “العفو الدولية” ولا “الغذاء العالمي” أننا كنا صادمين في مواقفنا، أو مخجلين في ردات أفعالنا ... وفي هذا السياق، وفي هذا السياق فقط، يمكن أن نتفق أو نختلف في قراءة الكيفية التي عالجت بها حكوماتنا ملف اللجوء السوري. 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صادم و مخجل صادم و مخجل



GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 16:02 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 16:00 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 15:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 15:52 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لحوم العلماء ومواعظهم!

GMT 15:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وجع فى رأس إسرائيل

GMT 15:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حكم «الجنائية» وتوابعه

GMT 15:44 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

«الثروة» المنسية ؟!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon