عن المصالحة والتقاء البرامج والمفاوضات

عن المصالحة والتقاء البرامج والمفاوضات

عن المصالحة والتقاء البرامج والمفاوضات

 لبنان اليوم -

عن المصالحة والتقاء البرامج والمفاوضات

عريب الرنتاوي

باتت المصالحة الوطنية الفلسطينية أمراً واقعاً من منظور المجتمع الدولي، مع أنها لم تخط خطوات عملية ذات مغزى بعد، وما زالت تعترضها عوائق و"حسابات"، قد تطيح بها، الآن أو في مراحل لاحقة ... الاتحاد الأوروبي يبدو أكثر ارتياحاً للخطوة، وواشنطن تجنح للتعامل مع الأمر الواقع الجديد، شريطة ألا يصطدم مع معايير الرباعية وشروطها ... وحدها إسرائيل، المستفيد الأكبر من الانقسام، تسعى في إدامته، وتضع العراقيل على طريق الوحدة الوطنية الفلسطينية الشائك.
يُظهر هذا الأمر حقيقة أن كثير مما اعتبرناه واعتبره غيرنا، "فيتوات" خارجية تحول دون استكمال المصالحة وإتمام الوحدة، ليست في واقع الأمر إلا من نسيج خيالنا، أو ربما كانت "مبررات" نختلقها لتفسير وتبرير غياب الإرادة الوطنية بالتوجه إلى المصالحة، وأن الفلسطينيين إن أرادوا التوحد، فليس بمقدور أحدٍ على سطح هذا الكوكب، أن يفسد إرادتهم ... الكرة في ملعبهم، كانت كذلك من قبل، وهي كذلك اليوم ومن بعد.
ومن أجل تمرير "قرار المصالحة"، بل وانسجاماً مع فلسفته السياسية، حرص الرئيس الفلسطيني محمود عباس على التأكيد بأن حكومة الوحدة الوطنية هي "حكومته"، تلتزم برنامجه، تعترف بإسرائيل وتنبذ العنف وتقبل بالاتفاقات المبرمة ... واختار اجتماعاً استثنائياً للمجلس المركزي لمنظمة التحرير للتأكيد على هذا الموقف ... والغريب، أن حماس، رأت في ذاك الخطاب جوانب إيجابية عديدة، رحبت به وبها، ولم تتوقف عند "مواصفات ومقاييس" الحكومة الجديدة، بل ولم تتأثر المساعي لتشكيلها، والتي يقال إنها قطعت شوطاً كبيراً، جراء تصريحات الرئيس.
يُظهر هذا الأمر بدوره، حقيقة أن الخلافات الأعمق بين جناحي العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني، تقع في مكان آخر، غير السياسة والبرامج، كما ظل يحلو لحماس أن تقول وتردد، من دون كلل أو ملل، وإلا لرأينا رد فعل مغاير من الحركة، على تصريحات الرئيس عباس التي تندرج في سياق "نهج التسوية والمفاوضات"، لا في إطار "نهج المقاومة والممانعة" ... الخلافات، كما قلنا وقال آخرون، تقع أساساً، في قلب لعبة توزيع السلطة والنفوذ والتنافس عليهما، من دون أن ينفي ذلك وجود اختلافات سياسية وبرامجية من النوع القابل للسيطرة والاحتواء.
الحقيقة أن الهوة كانت واسعة جداً بين برنامجي التسوية والمقاومة، أقله في طبعتيهما الأصليتين ... لكن ما حصل في السنوات القليلة الفائتة، قلص من حجم هذه الفجوة، جراء ابتعاد كل فريق خطوة أو أكثر للوراء عن برنامجه ... المفاوضات بلغت طريقاً مسدوداً، ما دفع بفتح إلى التفكير بتبني أساليب وأدوات أقرب للمقاومة منها إلى "التسوية"، حتى وإن كانت ذات طبيعة سلمية وشعبية غير عنفيه ... أما أزمة حماس في غزة، او أزمة غزة مع حماس، واستتباعاً، ما تواجهه الحركة من تداعيات تنقلاتها السريعة والخفيفة بين المحاور والعواصم، فقد ترتب عليها حلول برنامج "الهدنة طويلة الأمد" محل برنامج المقاومة ... والمسافة كما يتضح بين برنامج الهدنة المفتوحة وبرنامج المقاومة الشعبية السلمية، تبدو محدودة للغاية، وتسمح بالالتقاء والتلاقي ... وتسقط كل ادعاء عن صدام برامجي، وتعيد الاعتبار لنظرية صراع المصالح والنفوذ، الصراع على السلطة، حتى وإن كانت بلا سلطة.
يقودنا ذلك كله للافتراض، أن حكومة كفاءات وطنية، تحت مسمى حكومة وحدة وطنية، برئاسة "أبو مازن"، سترى النور قريباً، وستكون حكومة الرئيس وبرنامجه بصفة عامة ... والمرجح أن تنجح هذه الحكومة في التغلب على "الفيتوات" الإسرائيلية، وستبقي جسور الدعم والاعتراف الدولية ممدودة مع السلطة والمنظمة والدولة ... أما المفاوضات وفرص استئنافها، فتلكم حكاية أخرى، تتصل بإسرائيل ومدى استعدادها لذلك، أكثر من اتصالها بالترتيبات الفلسطينية الجديدة.
وفي ظني أن واشنطن ليست بصدد استئناف سريع لجهود كيري ومبادرته، مع أنها لن تتوقف عن مساعيها لإبقاء جذوة خيار التفاوض والعملية السياسية، مشتعلة ... الأرجح أن إدارة أوباما، من الآن وحتى الانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي، ستكون منشغلة بهموم الداخل، وبالقضايا الأكثر أهمية على الساحة الدولية، بدءاً بإطفاء الحريق الأوكراني المشتعل والذي يهدد بالانتشار على مساحات جافة أخرى للعلاقات الروسية الأمريكية ... وانتهاءً ببرنامج إيران النووي، الذي يعكف المفاوضون على صياغة الجمل الأخيرة من مسوّدته النهائية.
إن كان هناك من حيّزٍ لفلسطين والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي على الأجندة الأمريكية، فالأرجح أن يترك العمل به للنصف الثاني من الولاية الثانية للرئيس أوباما ... وإلى أن يحصل ذلك، فثمة مساحات واسعة أمام الأطراف لفرض حقائق جديدة على الأرض: إسرائيل بالتوسع الاستيطاني، وفلسطين باستكمال عضويتها في المؤسسات والمعاهدات الدولية وبناء عناصر الصمود والاقتدار الذاتي، لخوض غمار المواجهة مع آخر احتلال على سطح الكرة الأرضية.

 

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن المصالحة والتقاء البرامج والمفاوضات عن المصالحة والتقاء البرامج والمفاوضات



GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 18:00 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 17:57 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 17:55 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 17:51 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

التعليم مجانى وإلزامى (٦)

GMT 17:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

«المناقيش» سر تعثر لقاء السنباطى وفيروز!!

GMT 17:46 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حكمة نبيل العزبى!

GMT 17:44 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الشركات العامة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 08:15 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
 لبنان اليوم - ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:51 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

طرح فيلم "الإسكندراني" لأحمد العوضي 11يناير في سينمات الخليج

GMT 22:27 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

شاومي يطرح حاسوب لوحي مخصص للكتابة

GMT 14:06 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 14:00 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

أفخم 3 فنادق في العاصمة الايرلندية دبلن

GMT 05:39 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار لتنسيق أزياء الحفلات في الطقس البارد

GMT 05:24 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

قواعد في إتيكيت مقابلة العريس لأوّل مرّة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon