فلسطين العابرة لخطوط المذاهب والمحاور والأقوام

فلسطين العابرة لخطوط المذاهب والمحاور والأقوام

فلسطين العابرة لخطوط المذاهب والمحاور والأقوام

 لبنان اليوم -

فلسطين العابرة لخطوط المذاهب والمحاور والأقوام

عريب الرنتاوي

وحدها القضية الفلسطينية، ما زالت تمتلك القدرة على استثارة الرأي العام العربي والدولي وتحريك مشاعر التضامن وتسيير مظاهرات الغضب والتنديد ... بعد سنوات أربع عجاف من إراقة الدم بغزارة في كل من سوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها، كدنا نخشى إمّحاء هذا التأثير المتميز للقضية الفلسطينية، كدنا نخشى أن تضيع قضية العرب المركزية الأولى في خضم صراعات العرب البينية وحروب “داعش” و”الغبراء”.
في حروبها الأهلية، وحروب الآخرين عليها، اختبرت الشعوب العربية في الأقطار المذكورة الموت بالجملة والمفرق، بتقطيع الرؤوس والبراميل المتفجرة والشاحنات المفخخة والتطهير المذهبي والعرقي والطائفي ... أتت أيام سوداء، كان يسقط في أحدها ما يعادل أعداد شهداء الحرب الإسرائيلية على غزة، في أول أحد عشر يوماً من اندلاعها ... بيد أننا لم نر المسيرات والغضب والحراك الدبلوماسي الكثيف الذي رافق حرب “الجرف الصامد” على غزة.
ملايين اللاجئين الجدد الذي تضيق بهم مدن المنطقة ومخيماتها، ثلثاهم من سوريا والثلث الباقي موزّع على العراق وجنوب السودان .... خشينا في زمن اللجوء الكثيف، والنزوح الأشد كثافة، أن تعمد إسرائيل إلى استئناف سياسات التهجير القسري التي اشتهرت بها وأسست لها في هذه المنطقة، وتأسست هي بفعل نتائجها المرة ... لكننا نكتشف، العدوان تلو الآخر، أن لفلسطين وقعاً مغايراً، وأن ما يمكن السكوت عليه في حروب العرب البينية، عصي على الطمس والقبول في حروب إسرائيل على الفلسطينيين.
في حروبنا البينية، ينقسم الرأي العام العربي شيعاً وقبائل ... من رأى فيما يجري في سوريا “ثورة” انتصر لها وللمعارضة، يقابلهم من لم ير في الحدث السوري سوى “المؤامرة”، فانتصر للنظام وحلفائه ... وبين هؤلاء وأولئك، وقفت فئة ثالثة، لا تجد من يحمل رايتها سوى “المغلوبين على أمرهم” من شرفاء سوريا ووطنييها ... مثل هذا الانقسام، انسحب كذلك على الأزمة المحتدمة في العراق، وفي ليبيا ما بعد القذافي ... حروب عبثية تثير الوجع في قلوب المواطنين العرب، ولا تفتح شهية أياً منهم للخروج إلى الشارع منتصراً أو متضامناً، ولسان الحال في غالب الأحوال يقول: القاتل والقتيل إلى النار.
أما حين يتصل الأمر بفلسطين، فإن الصورة تبدو مغايرة تماماً ... لا خلاف هنا على تعريف “العدو”، أقله لدى الرأي العام، ربما هناك خلاف على مستوى الأنظمة والحكومات، لكن إجماعاً شعبياً عربياً تحقق منذ مائة عام، على أن إسرائيل هي العدو حتى ترحل عن أرض الفلسطينيين وتعيد لأصحاب الحقوق، حقوقهم.
ليس المهم هنا، من بدأ بإطلاق النار ... العدوان الإسرائيلي على شعب فلسطين مستمر منذ مؤتمر بال ووعد بلفور، فما همّ أن تكون حماس او الجهاد، ومن قبلها فتح أو الجبهة الشعبية، هي من بادر في هذه الجولة إلى إطلاق النار ... ليس المهم هنا، أن تلتزم الفصائل الفلسطينية قواعد الحرب المعروفة، فإسرائيل “بحد وجودها” هي عدوان على القانون والحق والمنطق والأخلاق والقيم، وهي مذ أن تحوّلت من عصابات إرهابية إلى دولة إرهاب رسمي منظم، تمارس أبشع ألوان الانتهاكات لحقوق شعب فلسطين وتعتدي على أطفاله ونسائه وزيتونه وتراثه وذاكرته.
هنا لا يتجادل اثنان حول هوية المعتدي والمُعتدى عليه ... هنا يستثير المضمون الأخلاقي والقيمي لنضال شعب فلسطين، كل طاقات التضامن معه والغضب على أعدائه من بنغلاديش إلى الإكوادور، مروراً بعشرات المدن التي خرجت ترفع رايات فلسطين وتنتصر لشعبها.
هو “عنصر القوة” الحاسم، الذي لا يجوز للفلسطينيين أن يفرطوا به، تحت أي ظرف وأية ذريعة ... ومن هنا تأتي شعارات النأي بالنفس عن “حروب الأخوة الأعداء” ... والنأي بالنفس هنا، لا يعني الانفصال عن حركة الشعوب العربية وتطلعاتها، فشعب فلسطين، نصير موضوعي ودائم لهذه الشعوب ... ولكن حين تحترب الشعوب طائفياً ومذهبياً وقومياً وعرقياً، ينأى بنفسه ... وحين تملي الجغرافيا أحكامها وديكتاتوريتها، خصوصاً في دول الطوق، يصبح النأي بالنفس، حكمة ومصلحة، يقبلها الأصدقاء والأشقاء ويتقبلون تبعاتها ومبرراتها، بصدر رحب
لقد تورطت الحركة الوطنية الفلسطينية بالعديد من الأزمات العربية، بعضها كرهاً وبعضها الآخر طواعية، وكانت النتيجة دائماً، وبالاً على شعب فلسطين ولاجئيه وقضيته الوطنية ... وجاءت حماس بخطاب مغاير، يدّعي البعد عن المحاور والترفع عن التورط في صراعات الأمة البينية، إلى أن عصفت بها رياح الربيع العربي وعواصفه، فغاصت في رمال الأزمتين السورية والمصرية كما لم تفعل الحركة الوطنية الفلسطينية من قبل، ودخلت في لعبة المحاور والمعسكرات العربية والإقليمية المتناحرة، كما لم تفعل منظمة التحرير من قبل، وقد دفعت الحركة، ودفع معها شعبها، الأثمان الباهظة لهكذاانحيازات وتدخلات، محكومة بتغليب “الفئوي” على الوطني، والانحياز لجماعة على حساب الانحياز للشعوب بمختلف مكوناتها.
القضية الفلسطينية، بقدرتها على استثارة الدعم والتأييد والتحشيد، وبعبورها الدائم لخطوط التماس المذهبي والقومي والعرقي والطائفي، تملي على الفلسطينيين أن يكونوا أكثر حذراً في التعامل مع لعبة الاستقطابات والمحاور، والأهم الحذر من التدخل في الشؤون الداخلية والتورط في الصراعات العبثية، التي لا طائل من فوقها أو تحتها، لتبقى فلسطين “القاسم المشترك” الأعظم لشعوب الأمة ومختلف مكوناتها، بدل أن تكون كرة تتقاذفها المحاور والعواصم في لعبة صراع الأدوار والنفوذ.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فلسطين العابرة لخطوط المذاهب والمحاور والأقوام فلسطين العابرة لخطوط المذاهب والمحاور والأقوام



GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 18:00 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 17:57 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 17:55 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 17:51 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

التعليم مجانى وإلزامى (٦)

GMT 17:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

«المناقيش» سر تعثر لقاء السنباطى وفيروز!!

GMT 17:46 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حكمة نبيل العزبى!

GMT 17:44 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الشركات العامة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 08:15 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
 لبنان اليوم - ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:51 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

طرح فيلم "الإسكندراني" لأحمد العوضي 11يناير في سينمات الخليج

GMT 22:27 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

شاومي يطرح حاسوب لوحي مخصص للكتابة

GMT 14:06 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 14:00 2022 الخميس ,17 شباط / فبراير

أفخم 3 فنادق في العاصمة الايرلندية دبلن

GMT 05:39 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار لتنسيق أزياء الحفلات في الطقس البارد

GMT 05:24 2022 الأحد ,10 تموز / يوليو

قواعد في إتيكيت مقابلة العريس لأوّل مرّة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon