عريب الرنتاوي
لأول مرة منذ الثالث من يوليو يبدي إخوان مصر، استعداداً جدياً للحديث عن "مرحلة ما بعد مرسي"، الناطق باسم حزب الحرية والعدالة الدكتور حمزة زوبع، كتب مقالا نشره على موقع الحزب بعنوان "أخطأنا وكذلك فعلتم ... وهذا هو الطريق"، خلا من ذكر الاشتراطات الإخوانية المتكررة للدخول في الحوار السياسي مع القوى الأخرى والشروع في إنجاز "المصالحة الوطنية"، وقدم ما يمكن وصفه "إرهاصات المراجعة الكبرى" التي توقعنا أن تجريها الجماعة بعد أن تهدأ النفوس وتبرد الرؤوس.
في باب النقد الذاتي، اعترف زوبع بخطأين اثنين، من الطراز الاستراتيجي على حد وصفنا ولا وصفه، ولقد سبق أن أشرنا إليهما في مقالات سابقة، أثارت غضب إخوان الأردن وبعض الإخوان العرب: الأول، ويركز على الفشل في بناء الائتلافات الوطنية العريضة لإدارة مرحلة الانتقال، والإقرار بأن هذا الفشل، يعود من ضمن أسباب أخرى إلى جنوح الإخوان للانفراد في الحكم، وهذا ما أسمينه في مقالاتنا "شهية السلطة المفتوحة" و"الرغبة في الهيمنة والتفرد"، فماذا سيقول منتقدونا من الإخوان وهم يقرأون ما كتبناه، تعاد صياغته بقلم أحد قادة إخوان مصر.
الخطأ الثاني، ويتجلى في علو نبرة التحريض من على منصة "رابعة العدوية"، هو ردّ الأمر على صعوبة السيطرة الخطباء والمنابر، خصوصاً في أجواء الاحتقان والاستهداف والتخويف المتبادل ... وهذا ما أسمينا "الخطاب الفتنوي / التحريضي" المنبعث من "رابعة"، وهو أيضاَ أثار غضب واستياء بعض مجادلينا من الإخوان الأردنيين والعرب، ولا ندري ماذا سيقولون وقد بدأ "غيث أول المراجعات ينهمر"، ومن ألسنة أهل مكة، الأكثر دراية بشعابها.
المقال المذكور، لم يكن مخصصاً لإجراء "مراجعة شاملة" لخطاب الإخوان وممارستهم وتجربة حكمهم القصيرة للغاية ... المقال منصب في الأساس لرسم ملامح "خريطة طريق للمستقبل" للخروج من المأزق الراهن، باعتبار أن أمن مصر ومستقبل شعبها، أكثر أهمية من مصائر هذا الرئيس ومآلات تلك الجماعة ولقد كان لافتاً أن خريطة زوبع، تلتقي في كثير من عناصرها من خريطة الطريق التي عرضها النظام الجديد في مصر، وهي تقبل بالحوار السياسي وتدعو للمصالحة، وتطالب بوقف حملات القمع والتنكيل، وتحث الجيش على الالتزام بالعودة للثكنات بعد انتخاب رئيس وبرلمان جديدين ... أي أننا أمام تسليم بأن مرحلة مرسي باتت وراء ظهورنا (وهذا ما طالبنا الإخوان الأخذ به والابتعاد عن المكابرة وخوض المعارك المجانية).
وكان لافتاً أيضاَ، أن هذه التطورات الهامة في خطاب إخوان مصر، تزامنت مع "مرونة" مفاجئة، تكشفت عنها بيانات الإخوان في مصر مؤخراً، اعترف اثنان من قيادة الجماعة بأنها "مرونة" وليس تنازل ... ومن آيات هذه المرونة، قبول الجماعة الإخوانية الأردنية بالحوار غير المشروط مع الحكومة، بعد يومين اثنين فقط، من ترحيب الجماعة بعرض الحكومة إجراء تعديل جوهري على قانون محكمة أمن الدولة.
وليس بعيداً عن هذه التطورات الهامة على الساحتين الأردنية والمصرية، لاحظنا أن رجب طيب أردوغان شخصياً، يأمر بعودة سفيره إلى القاهرة وهو الذي استدعاه للتشاور، وأنه هو شخصياً من قام بتبرير قرار استدعاء السفير وإعادته، لكأننا أمام مراجعة تركية لبعض أوجه السياسة "الرعناء" التي اتخذتها أنقرة حيال الأزمة المصرية.
هل هدأت النفوس، وبدأ الإخوان في مراجعة "النصوص"؟ ... هل أيقن الإخوان أنهم يخوضون معركة عبثية في شوارع مصر وميادينها؟ ... هل هبط سقف التوقعات وتواضعت الرهانات على "المرحلة التاريخية" الجديد التي حمل بشائرها "الربيع العربي" بعد أن حمل الإسلاميين إلى سدة الحكم في غير دولة؟ ... هل نحن أمام إرهاصات لفهم عميق لدروس المرحلة الماضية، أم أننا امام انحناءة جديدة أمام عاصفة الغضب المحلي والإقليمي التي تهب على الجماعات الإخوانية؟ ... هل نحن أمام بداية مطاف أم أن ما ورد ذكره، هو أقصى ما قد تصل إليه المراجعات؟ ... هل سترتبط مراجعة السياسات والمواقف، بتغيير في القيادات التي قادت الجماعة إلى مأزقها الراهن؟ ... هل نحن أمام "مراجعات قطرية" منفصلة للتجربة أم أنها مراجعة التنظيم الدولي الذي قيل أن قيادته اجتمعت في إسطنبول الأسبوع الفائت، وأن تداعيات وترجمات هذه المراجعة، بدأت تتنزّل على الجماعات الإخوانية في مختلف أقطارها؟
أياً يكن من أمر، فإن ما صدر من مواقف ومراجعات وما تبدّى من "ليونات" في مواقف الجماعة، يتعين النظر إليه، بوصفه يداً ممدودة من الجماعة، نأمل أن تقابل بيدٍ ممدودة من خصومها ومجادليها، فالجماعة ليست وحدها من قارف الأخطاء والخطايا، والمضي في "شيطنتها" أو "اجتثاثها" ليس خياراً أبداً، ولن تكون وحدها المتضرر منه وبه، فالضرر سيطاول الجميع، دولاً ومجتمعات و"انتقال للديمقراطية"، فهل تحدث هذه المواقف الإخوانية الجديدة، انعطافة في سياق سير الأحداث والتطورات في مصر وغيرها؟ ... سؤال برسم الأيام المقبلة.
نقلاً عن "مركز القدس للدراسات السياسية"