نحن وحروب المحاور وصراعات المذاهب والطوائف

نحن وحروب المحاور وصراعات المذاهب والطوائف

نحن وحروب المحاور وصراعات المذاهب والطوائف

 لبنان اليوم -

نحن وحروب المحاور وصراعات المذاهب والطوائف

عريب الرنتاوي

في الجدل الدائر حول موقع الأردن على خريطة الانقسامات السياسية والإيديولوجية والمذهبية، وفي حروب المحاور والطوائف والمذاهب، يكاد إجماع الأردنيين أن ينعقد حول ضرورة قيام بلدهم بدور تجسيري، وفاقي وتوفيقي، بين مختلف الأفرقاء والجهات المحتربة ... لا بل أن كثرة كاثرة منهم، لا تتردد في القول بأن الأردن يقوم فعلاً بهذا الدور، وتنزع عن سياسته الخارجية، صفة الانحياز أو التمحور، عملاً بالمنطوق الرسمي للخطاب السياسي والإعلامي للدولة الأردنية.

بالطبع، ستجد أصواتاً من هنا وهناك، تدعو لمزيد من الانحياز لهذا الفريق الإقليمي أو ذاك، أو تدعو لمزيد من “التورط” في هذه الصراعات، نصرة للجهة معينة أو بالضد من أخرى، لكن هذه الأصوات، تظل على علوّها وارتفاعها، أصواتاً أقلوية، لا تعبر عن التيار الرئيس السائد في الوسط السياسي والاجتماعي النخبوي في البلاد.

والحقيقة أن الأردن مؤهل – موضوعياً – للقيام بهذا الدور، فهو بحسابات الجيوبوليتك، يقع في قلب دائرة الأزمات المشتعلة في المنطقة، وهو مطلوب بذاته ولذاته، وهو من الناحية الديموغرافية، نسيج متعدد المشارب والأصول، أما قيادته، فتتوفر على صفة لا تتوفر عليها، غيرها من القيادات العربية، وأقصد النسب الهاشمي الذي يجعلها – موضوعياً – في منزلة وسط بين الجميع، ومقبولة من الجميع، سيما إن كان الحديث يدور حول طرفي الانقسام الأخطر والأعمق في الإقليم: السنة والشيعة.

لكن لحسابات يمكن المجادلة فيها، اتفاقاً واختلافاً، وبخلاف ما تتحدث به الطبقة السياسية الرسمية، فإن الأردن أخفق في “ملء هذا الفراغ”، واتخذ مواقف تراوح ما بين الالتحاق بهذا المحور ومناهضة ذاك، وأحياناً القيام بدور “رأس الحربة” في المواجهات الدائرة والمحتدمة في كثير من ساحات الإقليم وميادينه ... الأردن آثر أن يكون طرفاً في هذه الأزمات، لا وسيطاً أو حكماً، ولذلك جملة من الأسباب والعوامل.

أول هذه الأسباب، العلاقة الاعتمادية على حليفين كبيرين، الأول، دولي، ويتمثل في الولايات المتحدة على نحو خاص والغرب بصفة عامة، وهو حليف مهم حين يتعلق الأمر بقدرات الأردن المالية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، والأهم، أنه حليف مهم، طالما كان الأمر متعلقاً بحاجة الأردن لشبكة أمان دولية توفر له الحماية، وتعزز مناعته، في مواجهة الإقليم المضطرب الذي يحيط من جهاته الأربع... أما الحليف الثاني، الإقليمي، ويتمثل في السعودية بخاصة والخليج بصفة عامة، وهنا تبدو مهمة الأردن في الاحتفاظ بمسافة أبعد عن الصراعات الإقليمية، أشد صعوبة، فهامش المناور والمرونة التي يبقيها الأشقاء للدبلوماسية الأردنية، أضيق بكثير من ذاك الهامش الذي تخلفه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لحليف كالأردن، بحجمه وفي موقعه.

أما ثاني هذه الأسباب، فيتصل بالتغيرات البنيوية التي طرأت على بنية وتركيبة الطبقة السياسية التي أدارت البلاد في السنوات العشرين الفائتة، والتي نبعت في غالبيتها العظمي، من مصدرين: الأول، تكنوقراط، كان له دوراً متميزاً في السنوات العشر أو العشرين الأخيرة، والثاني، الأمن، وهو طالما لعب أدواراً مؤثرة، لا في السياسة الداخلية فحسب، بل والخارجية كذلك.

وعلى أهمية هذين “الرافدين” الأساسيين اللذين شكلا النخبة الحاكمة في البلاد طوال العشريتين الفائتتين، إلا أنهما غير مؤهلين موضوعياً، لإعادة تصميم وتخطيط الموقع والدور الأردنيين في الإقليم من حولنا، إذ من دون مخيال سياسي وسياسيين رؤيويين، لا يمكن الوصول إلى الاستثمار الأمثل، لدور الأمن والتكنوقراط، في السياسة الخارجية على وجه الخصوص.

منذ سنوات طوال، لم نشهد على مبادرات أردنية لرأب الصدع أو الصدوع، بين أقرب الناس إلينا: الفلسطينيون، وتركنا أمر الوساطة في خلافاتهم وصراعاتهم لغيرنا من الأشقاء، بل واتخذنا مواقف ملؤها الانحياز لفريق منهم، والتجاهل لفريق آخر، وكنا في مراحل عديدة، كمن يطلق النار على قدميه، فيتعذر عليه السير بخطى متزنة وموزونة صوب الهدف.

وفي سوريا، لم نستفد كثيراً من سياسة “إبقاء شعرة معاوية” التي اعتمدها الأردن حيال مع مختلف الأطراف، بمن فيها النظام، وبقينا ننظر للعواصم من حولنا، تطلق المبادرات والمشاريع، وتدلي بدلائها، من دون أن نحرك ساكناً، حتى أن كازاخستان، تجرأت على استقبال وفود من النظام والمعارضة، مع أننا الأقدر على القيام بأدوار من هذا النوع، ولدينا مروحة من العلاقات مع مختلف أطراف الأزمة السورية، تؤهلنا للقيام بدور أكبر، إن نحن تخففنا وإن قليلاً، من حذرنا المبالغ فيه، لردود أفعال الأشقاء والشقيقات، الكبار منهم على وجه الخصوص.

أما في اليمن، حدّث ولا حرج، ولقد كان حريٌ بنا أن نواصل مشوار “عمان عاصمة الوفاق والاتفاق” بين اليمنيين قبل عشرين عاماً أو أزيد قليلاً، بدل أن ندخل في تحالف يعرف كل واحد منا، أنه سيشتت الجهد الذي يجب أن يتركز وأن ينصب على الحرب ضد الإرهاب والتطرف، وأحسب أننا تمتلك من المقومات والعلاقات، ما يزيد عن تلك التي توفرت عليها عُمان التي تحولت عاصمتها إلى ساحة للوساطات والمساعي الحميدة، إقليمياً ودولياً.

في الصراع المذهبي، والموقف من إيران ، كدنا أن نتحول إلى “رأس حربة” ضد الطرف الآخر، مع أننا أكثر من غيرنا، قادرين على أن نقوم بأدوار أكثر إيجابية، بالاستناد إلى فرادة المكانة التي تتمتع بها القيادة، وبالاتكاء على الإرث الوفاقي التجميعي الذي تستبطنه رسالة عمان على وجه الخصوص، وبدل أن نجد فوق الانقسامات المذهبية التي تكاد تعصف بلبنان والعراق وسوريا، رأينا أنفسنا ننجر كنخب ورأي عام، إلى أتون هذه الانقسامات.

هي مهمة صعبة بلا شك، وقد تكون مكلفة في بعض الأحيان، لكننا لم ندخل يوماً في جدل حول كلفة الخيارات الأخرى، ولم نجر حساباً دقيقاً شفافاً، لتداعيات وانعكاسات وتكاليف خياري الانحياز وعدم الانحياز، مع أن الوقت لم يفت لفعل ذلك، شريطة أن تتوفر الإرادة السياسية لتنظيم ورشة حوار وطني حول هذه العناوين.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نحن وحروب المحاور وصراعات المذاهب والطوائف نحن وحروب المحاور وصراعات المذاهب والطوائف



GMT 17:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 16:02 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 16:00 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 15:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

GMT 15:52 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لحوم العلماء ومواعظهم!

GMT 15:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

وجع فى رأس إسرائيل

GMT 15:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حكم «الجنائية» وتوابعه

GMT 15:44 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

«الثروة» المنسية ؟!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon