عريب الرنتاوي
مشاعر الكراهية للفلسطينيين التي يختزنها بينيامين نتنياهو بين أحشائه، لا تقتصر على الأحياء منهم أو الذي سيولدون من بعد فحسب، بل وعلى الأموات منهم كذلك... الهلوسات التي باح بها قبل أيام بخصوص الحاج أمين الحسيني، وتحميله مسؤولية «الهولوكوست»، تفضح بأبشع العبارات، ما يضمره الرجل من مشاعر الحقد والكراهية للفلسطينيين، الأحياء منهم والأموات والذي سيولدون... هو ذاته، الرجل الذي وصف الرئيس محمود عباس بـ «السفاح»، الرئيس الذي لم يعرف عنه في تاريخه، أن «ذبح فرخة» أو حتى أمر بذبحها.
الفلسطينيون إما نازيون، تفتقت أذهان قادتهم عن «أفران الغاز» وإما قتلة وإرهابيين وسفاحين... لا فلسطيني جيد على الإطلاق من وجهة نظر رئيس الحكومة الإسرائيلية، ولهذا ربما، استحق أطفال الفلسطينيين قبل شيوخهم، ونساؤهم قبل رجالهم، قرارات الإعدام في الشوارع من دون محاكمة، وأوامر تهديم البيوت والاعتقالات التعسفية والعقوبات الجماعية والحصار والتجويع، وأكثر حروب القرن الحديث، بربرية.
نتنياهو يهذي، وفي نوبات الهذيان العنصري التي تجتاحه، يُخرج كل ما في جوفه من سموم وأحقاد، ويقذف كل ما بداخله من نوايا سوداء... مع أن الرجل «في السياق الإسرائيلي الخاص»، لا يبدو واقفاً على أقصى يمين الخريطة السياسية والحزبية، بل في وسطها، ولنا أن نتخيل ما الذي يعتمل في صدور من هم على يمينه من قوى وأحزاب ورأي عام.... ولا أدري بوجود هذه القاعدة العريضة، لـ «الداعشية اليهودية»، كيف يمكن التفكير باتفاق سياسي أو حل وسط مع هؤلاء.
الغريب في أمر نتنياهو وأركان حكومته، أنهم الأكثر تهويلاً وصخباً عند الحديث عن «التحريض الفلسطيني على العنف وثقافة الكراهية»، مع أنهم يتفوقون على جوبلز نفسه، حين يتصل الأمر بتعبيراتهم العنصرية ومواقفهم العدائية من الفلسطينيين، الأحياء منهم والأموات، وأولئك الذين لم يولدوا بعد... فكيف يمكن التفكير بتسويات وحلول وسط، يمكن إبرامها مع كارهين ومحرضين على هذا المستوى من اللؤم.
الرئيس عباس، يحذر صبح مساء من مخاطر الانزلاق إلى حرب دينية أو صراع ديني... نحن في قلب هذه الحرب، نحن في معترك هذا الصراع... «الداعشية اليهودية» ستنتج شبيهها ونقيضها على الضفة الأخرى من معادلة الصراع أو خنادق الحرب والقتال... وساعتئذ، لن يكون الفلسطينيون وحدهم هم ضحايا «المحرقة الجديدة»... وسيسجل التاريخ، «المحرقة الثانية» تسبب فيها «ضحايا المحرقة الأولى»، وكانوا أول من أشعل شراراتها.
والمؤكد أن نظرة نتنياهو وعصابته وقطعان الداعمين له والمصوتين له، للعرب في الأردن ولبنان وسوريا ومصر وغيرها، لا تختلف أبداً عن نظرتهم للفلسطينيين... لكن «عربان» هذه الأيام، منصرفون إلى مشاغلهم وحروبهم الجانبية، لم تأخذهم بعد الحميّة القومية أو الدينية، بل ولا «حميّة الجاهلية»... لكنهم سيستيقظون ذات يوم، على وقع انفجارات العنصرية وانبعاثاتها من تحت سطح الكراهية والعداء للآخر، التي تتخمر داخل المجتمع الإسرائيلي، إلى حد التعفن والتقيّح.
كيف يمكن الاطمئنان والحالة كهذه، إلى ما يمكن أن تفيض به مهمة كيري أو أن تجود به قريحته، من أفكار وتسويات لمشكلة القدس والأقصى والمقدسات... مع مَنْ مِنَ الإسرائيليين يمكن إبرام تسويات كهذه، ومن يضمن التزامهم بها، وما السبيل للتأكد من أنها ليست سوى «هدنة» مؤقتة بين زحفين استيطانيين؟... بوجود أشخاص من طراز نتنياهو وبينيت وليبرمان وغيرهم، ما حاجتنا للخوض من جديد، في تجريب المجرب؟.
وإزاء انكشاف «الطابق» وافتضاح «المستور»، فإن أكثر ما يدهشنا، هو ذاك المنسوب المرتفع من «العقلانية» التي تغلف مواقف بعض المسؤولين العرب وأتباعهم والناطقين باسمهم و»حملة المباخر»، الذين يستكثرون على الشعب الفلسطيني، هبّته وامتشاقه لسلاح الحجر و»سكين المطبخ».... فتراهم يدعون للهدوء والعقلنة والسكينة، لكأن الشيء الطبيعي أن يتأبد الاحتلال المريح والمربح، وألا يحاول الفلسطينيون الذود عن كرامتهم وعزة أنفسهم وما تبقى من أرضهم وحقوقهم ومقدساتهم...أو لكأن الفلسطينيين اقترفوا جرماً عظيماً إذ يحاولون جاهدين، رفع كلفة الاحتلال ولو قليلاً... فهل هي «العقلانية» فعلاً، أم أنها «العجز» المُجلل بانهزامية مُذلة؟
فيا «غضب الضفة لا تهدأ» حتى تدرك إسرائيل أن استمرار الحال من المُحال... وحتى يخرج السادرون في غيبوبتهم من العرب العاربة والعربان، من سباتهم العميق، فيعود لفلسطين ألقها وبريقها ومركزيتها... وتقرر البشرية وضح حد نهائي لآخر احتلال إحلالي عنصري على وجه الكرة الأرضية.