أبعد من مجرد «سعر الرغيف»

أبعد من مجرد «سعر الرغيف»

أبعد من مجرد «سعر الرغيف»

 لبنان اليوم -

أبعد من مجرد «سعر الرغيف»

بقلم ـ عريب الرنتاوي

يستطيع من شاء، أن ينظر للاحتجاجات الشعبية التي صاحبت وأعقبت قرارات رفع الدعم وزيادة الضريبة، بوصفها “فشة خلق”، سرعان ما تخبو مظاهرها، وتذهب صيحاتها جفاءً... أما “الزبد”، وهو هنا عائدات القرارات الحكومية، فيبقى في حسابات المالية وستظهر نتائجه في أرقام العجز والدين... وثمة إرث طويل عريض، من “الفزعات الشعبية” التي سرعان ما تندلع وسرعان ما تتلاشى من دون أن تحدث فرقاً جوهرياً... يوفر معيناً لا ينضب للإحساس الخادع بالطمأنينة واليقين، الذي يبدو أنه يسكن مروحة واسعة من صناع القرار في الحكومة.

ويستطيع من شاء، ألا يرى في “سورة الغضب” التي اجتاحت مدناً أردنية مختلفة، سوى تعبير عن الاحتجاج على ارتفاع الأسعار وتآكل الأجور وتراجع مستويات الدخل والعيش لشرائح متزايدة من الأردنيين ... لكأن كل ما في السياسات الحكومية، أمر صائب ومقبول، وأن المشكلة تنحصر فقط في الجانب المالي والاقتصادي، وأنها بالأساس عائدة لشح الموارد .

مثل هذه القراءات، قد تنفع في تخدير حس المسؤول في الحكومة، أياً كان موقعه أو طبيعة عمله، بالمسؤولية عن قراراته وسياساته وأفعاله، بل وقد تقنعه بأنه أدى قسطه للعلا، وأقدم على فعل ما أحجم نظراؤه “الأوائل” عن فعله، وربما ظن لبرهة من الوقت، بأنه يستحق التكريم والشكر والتقدير، بدل الاتهامات والشتائم التي زخرت بها الاحتجاجات واشتعلت بالكثير منها، وسائل التواصل الاجتماعي.

بيد أن تجاربنا وتجارب غيرنا، أثبتت أن مثل هذه القراءات، مخادعة تماماً، وأنها إن أظهرت قدراً من الصحة في بعض الأحيان، إلا أنها ليست صالحة في جميع الظروف والحالات، بل وتعاند “ديالكتيك الحياة والمجتمع”، الذي يحذر من لحظة انقلاب “الكم” إلى “نوع” بعد سلسلة من التراكمات، فتتغير الحسابات والتوقعات، ولكن بعد فوات الأوان ...

ثمة ظاهرتان تستوقفان المراقب عن كثب، لأحداث الجمعة الأخيرة... الأولى؛ أن معظم المنخرطين في التحركات الاحتجاجية، وهم كثر بالمناسبة، كانوا من خارج المنظومة الحزبية المعروفة، صحيح أن الأحزاب شاركت في التظاهرات ودعت إليها، لكن حجم الاستجابة والحضور، كان أكبر من الأحزاب ذاتها، سيما في ظل استنكاف أكبر أحزاب المعارضة، حزب جبهة العمل الإسلامي عن المشاركة الفاعلة، لأسباب لا يرغب في مناقشتها أو البوح عنها ... والثانية أن سقف الشعارات كان مرتفعاً،  وقد تخطى الأسعار والضريبة والخبز، إلى محاربة الفساد والإصلاح السياسي المصحوب بسياسات اقتصادية واجتماعية مغايرة لما درجنا عليه منذ الأزمة الكبرى في العام 1989.

ثمة قناعة مترسخة لدى القطاع الأعرض من الأردنيين، تعزو ضائقتنا الاقتصادية أساساً إلى استشراء الفساد والهدر وسوء استخدام الوظيفة ... وليس المهم ما إذا كانت هذه القناعة صحيحة أم لا، فالأهم أن الرأي العام مقتنع بها، ويزداد اقتناعاً بهذه الفرضية، في ضوء إحجام الحكومات المتعاقبة عن الإفصاح عن “كلفة الفساد” وملاحقة المتورطين به، وثمة قناعة تزداد رسوخاً، بأن هذا النمط من الحكومات، تكويناً وطريقة تشكيل، بات السبب وراء ما نحن فيه وعليه، من تأزم اقتصادي واجتماعي ... ثمة إحساس عميق بالحاجة لتغيير طريقة إنتاج النخب وتولي المسؤولية والولاية، فأزمة الثقة بين الحكومات والشارع، بلغت حداً يجعل من الصعب على رئيس الحكومة أو وزرائه، إجراء التواصل، وإدارة الحوار المطلوب مع المواطنين في أماكن تواجدهم، وعلى اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم.

مثل هذا الانتقال، غير المفاجئ في مطالب المحتجين وشعاراتهم، من الاقتصاد إلى السياسة، ومن الخبز إلى محاربة الفساد، ومن انعدام الثقة بالبرلمان إلى انعدام الثقة بالحكومة، يجب أن يقابل بوقفة تأمل ومراجعة حقيقية، تجريها مؤسسات الدولة مع الرأي العام، وليس بالغرف المغلقة، وتنخرط فيها مختلف الاتجاهات والتيارات السياسية والفكرية والاجتماعية، للوصول إلى خريطة طريق، لاستئناف مسار الإصلاح والتحول الديمقراطي، بدءاً بقانون انتخابي جديد، واجراء انتخابات مبكرة وصولاً لتشكيل حكومة برلمانية، وبخلاف ذلك، يتعين علينا أن نقلق..

نقلًا عن جريدة الدستور

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبعد من مجرد «سعر الرغيف» أبعد من مجرد «سعر الرغيف»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon