مصالحة وطنية أم تكريس لانشقاقين

مصالحة وطنية أم تكريس لانشقاقين؟!

مصالحة وطنية أم تكريس لانشقاقين؟!

 لبنان اليوم -

مصالحة وطنية أم تكريس لانشقاقين

بقلم :عريب الرنتاوي

عبثاً تسعى حركة حماس في تجريد “تفاهماتها” مع العقيد المنشق محمد دحلان من مضمونها السياسي، وعبثا أيضاً يحاول أنصار الرجل، سيما “المؤلفة جيوبهم” منهم، في تقديم هذه “التفاهمات” بوصفها “مصالحة وطنية” ... التفاهمات وإن بدت في ظاهرها تسويات ومصالحات مجتمعية، إلا أنها شفّت وتشف عن جوانب سياسية لا تخطئوها العين المجردة ... وهي – التفاهمات – وإن أدرجت في سياق المصالحة الوطنية الفلسطينية، إلا أنها تصب الحب صافياً في خانة تكريس انشقاقين: انشقاق حماس عن الحركة الوطنية ومنظمة التحرير، وانشقاق دحلان عن حركة فتح وسلطتها الوطنية، وكل فريق منهما يستقوي بالفريق الآخر في صراعهما ضد الخصم (العدو) المشترك في رام الله.

ويحتاج المرء لقدر هائل من الوعي بالبراغماتية (حتى لا نقول الانتهازية) لفهم ما حصل ... حماس صاحبة “برنامج المقاومة الإسلامية” تأتلف مع الشخصية الأبرز في صفوف أعداء هذا البرنامج، وبينها وبينه نهر من الدماء ... حماس المحسوبة على تيار الإخوان، سواء انفصلت عنه تنظيمياً أم لم تنفصل، تتحالف مع “رأس حربة” المحور الإقليمي الأشد عداوة لجماعة الإخوان المسلمين في المنطقة: الإمارات ومصر.

في المقابل، لا ندري كيف نجح دحلان في إقناع رعاته الإقليميين بالاستثمار في مشروع المصالحة مع حماس، وهو استثمار يتخطى الملاءة المالية للرجل مع أن الشائعات بشأنها كبيرة، بل وكبيرة جداً ... كيف أمكن للعواصم المعادية للإخوان القبولبمد طوق النجاة لحماس التي تختنق بغزة (وغزة تختنق بها)؟ ... هل هي محاولة لمدرأس جسر لعبور القطاع لاختراق القلعة من الداخل في استرجاع معاصر لحكاية “حصان طروادة”، أم أن الأمر برمته يندرج في سياق الصراع الإقليمي الرامي تقليم أظافر وتجريدها من أي ورقة بحوزتها، ومن بينها ورقة حماس؟
لو كنت موهوباً في رسم الكاريكاتير لجسدت يحي السنوار ومحمد دحلان يمدان يُمناهما للمصافحة، ويخبآن يسراهما خلف ظهريهما، وهما تمسكان بمسدسين أو خنجرين، لكني لست كذلك والحمد الله على أية حال ... لكن هذه العلاقة المثقلة بتاريخ السنوات العشرين الفائتة، محفوفة بقيود وأثقال تجعل من الصعب على المرء أن يتخيل مستقبلاً مزدهراً لها، مهما بلغت البراغماتية أو تفاقمت الانتهازية عند طرفيها.

ولا أدري ما الذي تقوله الدوحة لقادة حماس المقيمين بين ظهرانيها، وهي ترى هذا المشهد يتشكل أمام ناظريها، هل يسترجع قادتها صوراً من هجرة حماس الدمشقية إلى الدوحة مع هبوب رياح الثورة والمؤامرة في سوريا وعليها ... هل سيقول قائلهم إن موسم هجرة حماس القطرية صوب القاهرة وأبو ظبي قد بدأت، وأن عليهم أن يشربوا من الكاس ذاته، الذي أذاقوه للأسد ونظامه وحلفائه ... هل نجحت حماس في إقناع الدوحة وهي تخوض معركة المصير والمستقبل مع دول الرباعي العربي، بإن ما يجري ليس سوى انحناءة تكتيكية مؤقتة، لا تمس أسس العلاقة وثوابتها؟!

في المقابل، ليست لدى القاهرة وأبو ظبي المطالب والتوقعات ذاتها من الدحلان ... مصر تريد تأمين معبر رفح عبر رجالاته وتريد لهذا التحالف الجديد أن يكون عوناً في حربها على الإرهاب المستشري في سيناء، وهي لا تطلب من حماس التعاون لضبط حدودها مع القطاع فحسب، بل المساهمة أمنياً واستخبارياً في اجتثاث الإرهاب من سيناء كذلك ... الإمارات في المقابل، ليست سعيدة بحماس ولا بعلاقة أي قوة محسوبة عليها مع الحركة الإخوانية الفلسطينية، لكنها لا تمانع في مساعدة مصر، وهي حليفتها القوية، ولا تتردد في اللجوء إلى أي تكتيك من شأنه إضعاف قطر وتقليع أنيابها.

لكن المشكلة أن حماس يصعب عليها أن تخرج من جلدها تماماً، إذ حتى في وثيقتها الجديدة لم تجرؤ على إعلان الانفصال عن الإخوان بلغة مباشرة وصريحة، بل “مداورة” ... وهي ستتعاون مع مصر على ضبط الحدود، ولكن هيهات أن تشتبك مع مختلف الجماعات السلفية التي لا يروقها التعاون المصري الحمساوي ... وهي تعرف أن دحلان ورعاته ليسوا جمعية خيرية لدفع الديات والتعويضات فحسب، والمؤكد أنها ستقبل تكتيكياً بعودة مضبوطة ومسيطر عليها لجماعته إلى القطاع، فيما الأيدي ستبقى على الزناد للتصدي لأي محاولة لتوسيع هذا الدور أو تمكينه من الاستحواذ على عناصر القوة الذاتية التي تجعله قادراً على “البقاء والتمدد” من دون ضوء أخضر من الحركة وأجهزتها وكتائبها.

“زواج المتعة” الناشئ بين دحلان وحماس، ينفع كما قلنا في “إغاظة” فتح والرئيس عباس، وفي تحقيق مكاسب تكتيكية لكلا الفريقين، لكن على المدى الأبعد، فإن هذا الزواج مؤقت، بحكم طبيعته، ويحمل بداخله بذور الطلاق والانفجار، وقد لا يمضي وقت طويل قبل أن نشهد على اندلاع حرب اتهامات متبادلة، نأمل أن تظل في إطارها السلمي وألا تتحول إلى حرب تصفيات متبادلة كما حصل في سنوات الرصاص و”فرق الموت” أو أثناء “الحسم/الانقلاب”.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصالحة وطنية أم تكريس لانشقاقين مصالحة وطنية أم تكريس لانشقاقين



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon