بين الأمس واليوم

بين الأمس واليوم

بين الأمس واليوم

 لبنان اليوم -

بين الأمس واليوم

بقلم : عريب الرنتاوي

يكفي أن تلتقي شخصياً مع أحد قادة المعارضة السورية، بعد أربع أو خمس سنوات من الانقطاع، لتتعرف من نبرة صوته وملامح وجهه، وتلعثم حديثه، على المصائر التي آلت إليها الأزمة السورية، وفصائل المعارضة السياسية على وجه الخصوص ... أحد هؤلاء هو الأستاذ سمير نشّار أحد مؤسسي المجلس الوطني السوري، الذي سبق وأن التقيته مرتين: الأولى في نوفمبر عام 2011، في مؤتمر على الضفة الشرقية للبحر الميت، والثانية بعدها بعدة أشهر في إحدى مقاهي “حي تقسيم” الراقي في العاصمة التركية إسطنبول.

أمس كان لي لقاء معه عبر الهواء، على شاشة التلزفيون الأردني، لم أستطع أن أمنع نفسي من استرجاع شريط الحوارات التي دارت بيننا في اللقاءين ... يومها كان الصديق يحلق على ارتفاع شاهق جداً، بالكاد كان يرى بالعين المجردة بقية الكيانات والمكونات التي توزعت عليها المعارضة ... ردّ بتأفف على إلحاحنا بضرورة توحيد المعارضة السياسية السورية، وبصورة استعلائية أبكت الصديق الراحل حسين العودات.

يومها كان “القوم” يتحضرون للعودة إلى دمشق، سقوط النظام مسألة أيام وأسابيع، وعلى الأبعد عدة أشهر ... أما من سيقوم بالمهمة، فهما “الناتو” والولايات المتحدة ... لا حاجة للتفكير بوحدة المعارضة، طالما أن المهمة في سوريا ستنجز تبعاً لـ “السيناريو العراقي” ... فوق الدبابات سيعود المعارضون، وساعتئذ، ليس مهماً أن تتوحد المعارضة، النظام الجديد / البديل سيتشكل “بمن حضر”.

لم يترك معارضو الداخلي، حجة أو “حيلة” إلا ولجأوا إليها لتسويق وتسويغ موقفهم الرافض “عسكرة” الثورة واستدعاء التدخل العسكري الخارجي .... لكن المجلس الوطني السوري، الذي كان تشكل للتو، وحظي باعتراف عالمي بوصفه “ممثلاً شرعياً وحيداً” للشعب السوري، لم يكن يصغ لأي تحليل أو نصيحة أو وجهة نظر أخرى ... التقديرات الاستخبارية الغربية والعربية والتركية، كانت قد تسللت إلى عقول قادة معارضة الخارج، واستوطنتها، ولم يكن بالإمكان أبداً، إقناعهم بالعدول عن رهاناتهم.

يومها أذكر أنني تساءلت بسذاجة: إذا كان مشروع المعارضة يقوم على “الخارج” ويعتمد على تدخله للقيام بالمهمة نيابة عنه، فما الذي يتعين مخاطبة الشعب السوري به، ولماذا التوجه إليه أصلاً ... معارضة تقيم برنامجها، وتبني رهاناتها، على ما يمكن أن يقوم به “الخارج” لا يمكن أن تفلح في قيادة شعبها ولا أن تصل به إلى شاطئ الأمان، وهذا ما حصل.

ولعلها مفارقة ذات دلالة، أن تسألني “سفيرة دولة عظمى إلى المعارضة السورية” ذات لقاء، عن الكيفية التي يمكن أن نقنع بها المعارضة بأن دبابات الأطلسي وطائراته، لم تجتاح سوريا ولن تنخرط في معركة لإسقاط النظام بعد أن أعيتها المحاولة مع قادة المعارضة ورموزها، ولم يعد لديها من وسيلة للهبوط بهم من أعلى الشجرة التي صعدوا إليها ... والسؤال ذاته، سبق أن تلقيته من موفد لـ “الناتو” جال في المنطقة، وطرح نفس السؤال، وتلقى نفس الجواب: لحظة دهشة وصمت... أذكر يومها أنني كتبت مقالاً في هذه الزاوية، تنبأت به بأن تستهدف أول غارة تشنها واشنطن و”الناتو”، خصوم الأسد وليس قواته أو قوات حلفائه، وهذا ما حصل.

إلى أن تبدلت الأحوال بعد سنوات ست دامية في عمر الأزمة ... تهاوت الرهانات وتقلصت مساحة “أصدقاء سوريا” ... وانفض الجمع من حول المعارضة ... ودخل “الأخوة الأعداء” في حروب اتهامات متبادلة ... وفقدت المعارضة استقلاليتها بعد أن استُتبعت لكل أجهزة استخبارات المنطقة والدول ذات الصلة ... وحدثت الاستدارات الكبرى في مواقف الدول العظمى والصغرى ... تآكلت أدوار و”انكمشت” هامات، ظننا وظنوا، ذات يوم، أن عصرهم لن ينتهي وان نجمهم لن يأفل.

أمس بدا الصديق النشار، في حالة مزرية ... الخطاب القديم على قدمه ... الشعارات القديمة ما زالت تتردد بعناد على لسانه ... لكن الروح كسيرة، واللسان يتلعثم، والعيون لم تعد تشع بالتوق للعودة إلى دمشق مع “الفاتحين” وعلى ظهور دباباتهم ... اتهامات لكل أعضاء نادي “أصدقاء سوريا” بخيانة الشعب السوري والتخلي عن ثورته وخذلان قياداتها ... حتى الدول الخليجية التي ضخت مليارات الدولارات في شرايين المعارضة وجيوب قادتها، لم تسلم من الاتهامات ... تركيا، التي تحولت إلى ملاذ آمن لقاداتها، وبعد كل الدعم والتسهيل الذي قدمته لكل من هب ودب، لم تسلم من اتهاماته ... “يا وحدنا” هي “الصرخة” المكتومة على طرف اللسان، في استعارة كاريكاتيرية للصرخة التي أعتاد أن يزأر بها ياسر عرفات، كلما مرت الثورة الفلسطينية، بمأزق أو حصار أو منعطف.

هي صفحة طويت تماماً، وباتت أثراً بعد عين ... وسيكون بمقدور خصوم قادة المعارضة على الضفة الأخرى، ضفة النظام، أن يخرجوا ألسنتهم لهم، بل وأن يبشروهم بالانزواء في زوايا الترك والنسيان، بعد أن ملأوا الأرض والسماء، وشغلوا فضائيات العالم على مدار الساعة.

اليوم، يخرج هؤلاء من المعادلة، وتحل محلهم فصائل مسلحة، تراوح ما بين “الإخوان” و”السلفية الجهادية” ... ذهب “الممثل الشرعي الوحيد” طي النسيان، غير بعيد عن مقر إقامة زين العابدين بن علي ... ومن هناك، ومن عاصمة السلطنة العثمانية، ما زالوا يرددون كالببغاوات أحاديثهم المكرورة ... كلما سألتهم سؤلاً، عادوا بك إلى “الأيام الخوالي” إن لتجديد “شرعيتهم” أو لتبرير “اتهاماتهم” للنظام بالعسكرة والشيطنة والدعشنة ... توقفت عقارب ساعاتهم عند العام 2013، عندما كانت الفصائل تقرع أبواب دمشق والقصر الجمهوري ... توقف تاريخ سوريا “الجاري” عند تلك اللحظة، لم تعد لدى كثيرين منهم القدرة على استيعاب الجديد الطارئ، والتقدم بما يلائمه من رؤى ومواقف وشعارات وبرامج.

قد يقال الكثير في أسباب هزيمة هؤلاء، وقد تتوزع اللائمة على مروحة واسعة من الأطراف، بيد أن المؤكد أن القصور السياسي لهؤلاء، وضعف مخيالهم السياسي، وارتباطات كثيرين منهم بـ “الرعاة” و”الحماة” و”الحواضن”، هو الذي أدى إلى إلحاق الهزيمة بهم ... قبولهم القيام بأدوار الدمى لأجهزة استخبارية، وتفضيلهم مصالحهم الفئوية والشخصية الضيقة والانتهازية، هو ما أودى بهم وبمشروعهم – إن كان لديهم مشروع.

المصدر : جريدة الدستور

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين الأمس واليوم بين الأمس واليوم



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon