خيارات قطر

خيارات قطر

خيارات قطر

 لبنان اليوم -

خيارات قطر

بقلم : عريب الرنتاوي

لا تتمتع قطر بهامش واسع للمناورة، فالموجة التي تتهددها عالية وعاتية، وحالة الاستقطاب في المنطقة لم تعد تسمح أبداً بالتسويات على الطريقة الخليجية: “تبويس اللحى والأنوف والجبهات” ...جولة الخلاف هذه المرة، تبدو مغايرة تماماً لما سبقها من صولات وجولات، ميزت العلاقة بين الإمارة الخليجية الصغيرة وشقيقتها الكبرى المجاورة.

في حمأة التراشق الإعلامي والسياسي بين الأطراف المشتبكة، يبدو الباب مفتوحاً فقط أمام خيارين اثنين:

الأول؛ أن تنصاع قطر لشروط الرباعي العربي (مصر، السعودية، الإمارات والبحرين)، وهذا خيار انتحاري بالنسبة لقطر، ينسف كل ما بنته طوال أزيد من عقدين من الزمان، فضلاً عن كونه يمثل اعترافاً صريحاً بـ “الاتهامات” المنسوبة إليها، وهي اتهامات تكفي لوسمها بـ “الدولة المارقة”، وربما تكون لخيار كهذا تداعيات داخلية، تمس النظام والعائلة إلى ما هنالك.

والثاني؛ انتقال قطر إلى الضفة الأخرى، وتوثيق روابطها بالمحور الذي طالما دارت حوله وفي فلكه، وأعني به “محور المقاومة والممانعة” ... وهذا بدوره خيار انتحاري آخر، سيما وأنه سيُعقّد وضع قطر الإقليمي، وسيضعها في مواجهة مع الإدارة الأمريكية التي اتخذت من إيران عدواً أولاً لها، وتحاول الترفع على الانقسام الخليجي والاكتفاء بمراقبته عن بعد، وتوجيه النصائح بحل الخلافات بالحوار، ومن داخل البيت الخليجي.

الدوحة أعطت إشارات في الاتجاهين معاً ... فهي نقلت لحماس قائمة بأسماء “ضباط ارتباطها” مع الضفة الغربية طالبة إليهم مغادرة أراضيها، تماماً مثلما فعلت تركيا من قبل (حماس نفت الأمر في الحالتين)، كما أن إعلان عزمي بشارة اعتزاله العمل السياسي وتفرغه للبحث العلمي، لم يكن قراره الذاتي، وهو أقرب للإقالة منه إلى الاستقالة، ودائماً لتفادي ضغوط الجوار القريب والبعيد.

في المقابل، بعثت الدوحة برسالة إلى من يهمه الأمر، عندما بادر أميرها للاتصال بالرئيس الإيراني حسن روحاني لتهنئته بمناسبة إعادة انتخابه، قبل أن يعرض عليه تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، رافضاً مقاربة قمة الرياض الأمريكية – العربية، التي وضعت طهران في رأس قائمة مهددات الأمن الخليجي والعربي والدولي ... تلكم كانت إشارة إلى استعداد الدوحة للبحث عن بدائل وتوسيع دائرة تحالفاتها الإقليمية بما يتعدى تركيا إلى إيران ذاتها.

لكن الحقيقة أن الدوحة لا تستطيع الذهاب بعيداً في كلا الاتجاهين، فإن هي رضخت للشروط المصرية – السعودية الإماراتية قامرت بإنجاز الماضي (التليد) ومكتسباته ... وإن هي قفزت إلى أحضان “محور إيران – دمشق”، قامرت بمستقبلها وأمنها واستقرارها وبالغطاء الأمريكي المفرود على أرضها وفوق أجوائها ومياهها.

لهذا تبحث قطر عن وسيلة لاستيعاب الصدمة وتبديدها ما أمكن، وسوف نرى في الأيام القليلة القادمة، محاولات لأفرقاء كثر، يبدون الاستعداد للوساطة وبذل المساعي الحميدة بين الأطراف المحتربة ... والمؤكد أن الدوحة ستكون العاصمة الأكثر سعادة بازدحام الوسطاء والوساطات، فذلك سيمكنها من كسب الوقت، وسيساعدها على تدوير الزوايا الحادة في مواقف الرباعية العربية المناهضة لها، وربما الإفلات من الزاوية الضيقة التي وجدت نفسها محشورة داخلها.

وفي هذا السياق، ستبدي الدوحة استعداداً متزايداً لتقديم وجبات متتالية من التنازلات، وقد تتخذ إجراءات لمساعدة الوسطاء على إنجاز مهامهم ... وتحديداً لجهة إبعاد بعض الرموز غير المرغوب ببقائها في الدوحة، وإعادة ضبط وتيرة الخطاب الإعلامي، وربما إبداء مواقف أكثر قرباً من الرياض، من الناحية اللفظية على الأقل، حيال عدد من الملفات الإقليمية.

من بين الدول الأربع التي تخوض هجوماً منسقاً ضد قطر، تبدو الدوحة حريصة بالأساس على تحييد الموقف السعودي، ولأسباب شتى معروفة وليس هناك مجال الخوض فيها ... لا يهم القيادة القطرية ما تقوله الإمارات والبحرين، وهي ليست معنية بتاتاً بخطب ود القاهرة ... ولقد شهدنا في الأيام التي سبقت قرارات القطع والقطيعة التي صدرت عن العواصم الأربع، كيف أن الدوحة حاولت صب جام غضبها على أبو ظبي وتجنبت توجيه أي نقد لاذع للسعودية ... هذا التكتيك سيستمر، وستسعى قطر لتفكيك جبهة الرباعية العربية، من خلال التركيز على استرضاء السعودية وكسب حيادها، لكن فرص نجاح هذا التكتيك، تبدو ضعيفة للغاية هذه المرة بالذات.

السيناريو الذي لا يبدو أن الدوحة تفكر به على الإطلاق، هو الذي تناولناه في مقال سابق قبل عدة أيام، عندما اقترحنا على الدوحة الالتفات للداخل، وإعادة رسم صورة الإمارة، لتتخذ من سويسرا وليس من اسبارطة، نموذجاً لها، وهي قادرة على فعل ذلك إن توفرت الإرادة السياسية، والانتقال من موقع “الطرف المشاكس” في كل أزمات المنطقة، إلى موقع الوسيط والمرجعية التي يحتكم إليها أفرقاء الصراع، والتحول من بناء السدود والجدران في وجه مبادرات التعاون والتكامل الإقليمية إلى بناء الجسور ومنصات للتلاقي وبناء التوافقات والتفاهمات.
 المصدر : صحيفة الدستور

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خيارات قطر خيارات قطر



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon