ملاحظات أولية على «خطبة الوداع»

ملاحظات أولية على «خطبة الوداع»

ملاحظات أولية على «خطبة الوداع»

 لبنان اليوم -

ملاحظات أولية على «خطبة الوداع»

بقلم - عريب الرنتاوي

بدا الرئيس الفلسطيني محمود كمن أراد أن يقول كل شيء، دفعة واحدة، أمام الجلسة الافتتاحية للدورة الـ 28 للمجلس المركزي الفلسطيني، لكأن الرجل يخشى في داخله، ألا تتاح له الفرصة مرة ثانية، للقاء هذا الجمع من الشخصيات الفلسطينية، أعضاء المجلس وضيوفه، وهو ألمح إلى ذلك على أية حال، في معرض حديثه عن “كلفة القرار الوطني المستقل”، و”ثمن” التصدي لمشروع الدولة الأعظم المكرس لخدمة مصالح الدولة المارقة/ المدللة، “ .... لكأننا كنا في الاستماع إلى “خطبة الوداع”.

الخطاب بدا طويلاً، بل ومملاً في جزئه الأخير، حين شرع في سرد منجزات حكومة السيد رامي الحمد الله... لكن، وبخلاف ما يعتقده كثيرون، فإن جزأه الأول، التاريخي، لم يكن ضرباً من “تقطيع الوقت” أو الهروب إلى الوراء، إلى بطون الكتب، ولا أظنه جاء عفو الخاطر، فالرئيس أراد أن يعيد الاعتبار لـ”السردية الفلسطينية” التي غابت أو بالأحرى غُيبت عن المشهد طوال سنّي ما بعد أوسلو، والرئيس مسؤول جزئياً عن هذا الغياب والتغييب، وربما أراد أن يمهد لخطوات لاحقة تتصل بإعادة النظر في الاتفاقات المبرمة مع إسرائيل في سياق هذه العملية، وسحب الاعتراف بها، بعد أن أخفقت في الاعتراف بشعب فلسطين وحقه في تقرير مصيره بنفسه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وهو ما سنعرفه ونتعرف عليه، في ختام اجتماعات المجلس.

وربما لهذا السبب بالذات، توقفت صحافة الاحتلال مطولاً عند “السردية التاريخية” التي استبطنها الخطاب، ورأت فيها سعياً فلسطينياً حثيثاً لنزع “الشرعية” عن “دولة اليهود”، وتأكيداً متكرراً على عدم اعتراف الفلسطينيين بـ “حق الشعب اليهودي في تقرير مصيره” و”العودة إلى دولته اليهودية” ... عباس أماط اللثام مجدداً، ونفض الغبار بقوة، عن “المشروع الصهيوني” بوصفه رأس حربة لمؤامرة استعمارية - إمبريالية متكررة ومتعاقبة، ضاربة في قدم التاريخ، وتعود بواكيرها إلى خمسمائة عام خلت، وبهدف السيطرة على هذه المنطقة من العالم، وأن لا صلة لها لا باليهود، شعباً وأتباع ديانة، ولا بتطلعات مزعومة للاستقلال وتقرير المصير، والمؤكد أنها منبّتةٌ عن حكاية “الحق الديني والإلهي” وكافة الأساطير المؤسسة للرواية الصهيونية.

قد يقول قائل: وما حاجتنا لتذكيرنا بما نعرف وما نشأنا عليه في بيوتنا ومدارسنا، جيلاً بعد جيل ... والحقيقة، أن مسار مدريد – أوسلو، أفضى إلى طمس “الرواية” الفلسطينية – العربية للصراع العربي – الإسرائيل، حتى أننا انتقلنا بخفة، من الاعتراف بدولة إسرائيل، إلى الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، وصولاً إلى تجريب الاعتراف بـ”يهودية الدولة”، وأسقطنا عن إسرائيل صفتها كمشروع استعماري – عنصري – اقتلاعي، بدلالة تواطؤنا مع “شرط” إلغاء القرار الأممي الذي يقيم تماثلاً بين الصهيونية والعنصرية ... عباس جاء في خطابه الأخير، ليصحح خطأ قارفه وقارفناه وقارفه كثيرون في هذه المنطقة، وليس من السياسة في شيء، القول: لا جديد في الخطاب، وأن الرجل هرب إلى دروس التاريخ لكي يتهرب من طرح أسئلة المستقبل.

والخطاب من أوله إلى آخره، تميز بنبرة وطنية شديدة الحساسية لاستقلالية القرار الوطني الفلسطيني، بعد أن تكاثرت محاولات بعض “العربان” و”الغربان” وفقاً لتعبير الصديق محمد بركة رئيس لجنة المتابعة العربية في كلمته أمام المجلس، .

نبرة السخرية في الخطاب، مكنت الرئيس عباس من اجتياز الكثير من الخطوط الحمراء التي اعتاد الوقوف عندها، في نقده للسياسات الأمريكية المعادية لحقوق شعب فلسطين وللمواقف العربية المتساوقة معها والممهدة لها ... وهو أمر فهمه فرسان “السوشيال ميديا” على غير حقيقته، فكثفوا انتقادهم لعبارات الترحم على بن غوريون وتشيرتشل وغيرهما، وسخروا من إشارته “كعب نيكي هيلي العالي” في حين أن من أصغى للخطاب ووضع الأمور في سياقها ونصابها، رأى نقيض ذلك تماماً.

عباس كان جريئاً في استعراضه لمحطات مهمة في تطور العلاقة الفلسطينية – الأمريكية، وكان أجرأ في نقده للمواقف الاستفزازية للرئيس ترامب وبعض أعضاء فريقه (سفيره في تل أبيب وسفيرته في نيويورك)، الأمر الذي حدا بإحدى صحف لبنان المحترمة الناطقة بالإنجليزية، لاختيار عنوانٍ لتغطيتها: Shame on you: Abbas rebukes U.S. president””، وأحسب أن هذه الجرأة، في زمن التهافت والهرولة العربية صوب واشنطن وتل أبيب، تحسب لعباس لا عليه، ومن نافل القول، إنها أقل ما يمكن أن يقال في وصف السياسة الأمريكية حيال فلسطين والفلسطينيين، بلا غرور ولا مغامرة، وفقاً لتعبير عباس ذاته.

الخطاب، على ما فيه وعليه، نجح في خلق مناخات اعتزاز وطني، وقطع مع “صفعة القرن”، ورسم تخوماً سيجد “العرب” أنفسهم مضطرين للوقوف عندها، أقله إلى حين من الوقت ... وحول الخطاب المذكور، على ما فيه وعليه، ستدور مقررات المجلس المركزي وحركة المنظمة والسلطة وحراكهما في المرحلة المقبلة، ما يستدعي العودة مرة ثانية لتقييم مضامين الخطاب السياسية، وتحليل قراءة الرئيس لعناوين المرحلة وسبل المواجهة وملامح الاستراتيجية الفلسطينية المنتظرة، وغداً يوم آخر.

المصدر : جريدة الدستور

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ملاحظات أولية على «خطبة الوداع» ملاحظات أولية على «خطبة الوداع»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 17:54 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 لبنان اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد

GMT 21:25 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 06:17 2014 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

السيسي يجدد دماء المبادرة العربية

GMT 09:55 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي سعد لمجرد يُروج لأغنيته الجديدة "صفقة"

GMT 08:41 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

مكياج مناسب ليوم عيد الأم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon