بقلم : عريب الرنتاوي
حملة واسعة نسبياً، في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، تستهدف الإخوان المسلمين في الأردن ... هذه المرة، بسبب “فتح” قوائمهم على ممثلين لمكونات مختلفة وشخصيات وطنية بمرجعيات مختلفة ... الحملة تتحدث عن محاولة للهيمنة، ونزوع للمغالبة بدل المشاركة، وصولاً للاتهام بـ “الانتهازية السياسية”.
البعض منّا، ذهب بعيداً في حملته، وأخذ “يوسوس” في صدور المسؤولين بتأجيل الانتخابات، خشية مواجهة “تسونامي إخواني” في البرلمان الثامن عشر ... وأحسب أن تلكم ذريعة لا أكثر ولا أقل، تعكس الخيبة من البدائل التي جرى “تصنيعها” للجماعة الأم من جهة، وعجز بقية التيارات السياسية والفكرية عن تشكيل قوائم حزبية وازنة من جهة ثانية... وتشف عن مأزق تشكيل القوائم الانتخابية، الذي يضرب الشخصيات والعشائر والحمائل والأحزاب على حد سواء، من جهة ثالثة.
ولو أن الإخوان المسلمين، قرروا المنافسة بقوائم حزبية وإخوانية “نقية مئة بالمائة” لواجهوا حملة مماثلة، وربما أشد ضراوة، ولكن لأسباب ومبررات أخرى بالطبع، ولقيل في “استئثارهم” و”تفردهم” و”كرههم للآخر” ما لم يقله مالك في الخمر، ولكان انبرى من يقول: انظروا، الإخوان استئثاريون وهم في حضيض ضعفهم وهبوطهم، فيكف سيكون حالهم لو كانوا في ذروة قوتهم وصعودهم؟!
خلاصة القول، عند البعض: الإخوان مذمومون، مهما فعلوا ومهما “لم يفعلوا” ... قرارهم بالمشاركة في الانتخابات، أضاء عشرات “اللمبات الحمراء” في كثيرٍ من الدوائر والغرف ... ولو انهم قرروا المقاطعة، لكانت “اللعنات” حلّت عليهم من كل حدب وصوب، هم “لا مع سيدي بخير ولا مع ستي بخير”، ولسان حال كثيرين منّا يقول للإخوان: “صحيح ما تقسم ومقسوم لا توكل، وكل تتشبع”.
ذات حوار جانبي مع أحد قادة الإخوان قبل شهرين تقريباً، طرح علي سؤال المشاركة، فنصحت بها، خصوصاً في هذا الظرف، الذي نحن وهم فيه، فالأردن بأمس الحاجة لتهدئة الجبهة الداخلية وتوحيدها، وتخفيف الاحتقانات وتبديدها، ومعالجة الاستقطابات وتدوير زواياها ... المقاطعة سلاح ذو حدين، لا تضعف البرلمان والنظام السياسي وحدهما، بل وتضعف المقاطعين كذلك، وتخرجه من “اللعبة” ... اليوم، تبدو الجماعة أكثر من أي وقت مضى، بحاجة للمشاركة، لتجديد حضورها و”شرعيتها”، وللخروج من المأزق بأقل قدر من الخسائر، وهذا ما أدركته الجماعة على أية حال، وقررت خوض الانتخابات بـ “دعسة كاملة”، وليس بنصف واحدة، كما اقترح البعض.
وعندما انتقل محدثي “الإخواني” إلى السؤال الثاني، وما إذا كان يتعين عليهم المشاركة بقوائم حزبية أم بقوائم وطنية، نصحت بالأخيرة، وقلت إنها تخدم على نحو أفضل المصلحة الوطنية العليا في تبريد الرؤوس الحامية، وتجسير الفجوات والانفتاح على الجميع ... القوائم الوطنية تبعث برسائل إيجابية لأطراف مختلفة، ويتعين استنفاذ هذه الفرصة والتوسع فيها قدر الإمكان.
يبدو أنني كنت أغرد في واد، وكثير من السياسيين والإعلاميين يغردون في وادٍ آخر ... فمنّا من يرى في الاستحقاق الانتخابي محطة للانتقال بمشروعنا السياسي الديمقراطي خطوة للإمام، وإن كانت صغيرة ومتواضعة، ومنّا من يعتبرها لحظة لتسوية الحسابات وتصفيتها، ومناسبة للتشفي والشماتة، ووسيلة لتعميق الفرز والانقسام وزيادة حدة التوتر.
المخاوف من “تسونامي إخواني” لا معنى لها ولا مبرر، فمن وضع قانون الانتخاب الجاري، يعرف تمام المعرفة، أنه رسم سقوفاً خفيضة لتمثيل مختلف القوى، بمن فيها أكثرها جماهيرية وشعبية... لا ألغاز في القانون ولا أحجيات ... ولا مفاجآت في نتائج الانتخابات ولا “انقلابات” ... نسبة الخطأ والصواب فيها، تعادل نسبة الخطأ والصواب ودرجة الثقة في استطلاعات الرأي العام الرزينة، لن تزيد عن الخمسة في المائة، بما في ذلك، ما يمكن أن تتحصل عليه قوائم الجماعة من مقاعد “الكوتات” المختلفة... فلماذا الفزع ولماذا التهويل؟
قلنا في محاضرة أمام إعلاميين قبل عدة أيام، إن فكرة “الثلث المعطل” غير واردة وغير مرجحة في البرلمان القادم ... القانون وضع ليؤمن أغلبية الثلثين لكل حكومة وكل تشريع وكل “تصويت” ... فلماذا نضيق ذرعاً بهامش هو ضيق على أية حال، ولماذا المبالغة والتطيّر، و”تقدير البلاء قبول وقوعه”، هذا إذا افترضنا أن حصول المعارضة على “الثلث المعطل، هو “بلاء” في الأصل.