عن «سلام الشجعان» و«الردع المتبادل»

عن «سلام الشجعان» و«الردع المتبادل»

عن «سلام الشجعان» و«الردع المتبادل»

 لبنان اليوم -

عن «سلام الشجعان» و«الردع المتبادل»

بقلم : عريب الرنتاوي

في السرد السياسي الدارج، ثمة مقولات وشعارات، فقدت قيمتها ومعناها تماماً، وباتت تستخدم في غير موضعها، وفي غالب الأحيان، باتت تحمل معنى “نقيضها”، وتُستخدم للتورية والتمويه على عكس ما قيلت من أجله وفي سياقه ... ومن  الدلائل على ما نقول: مقولتا “سلام الشجعان” و”توازن الردع المتبادل”.
المقولة الأولى، فقدت في السياق الفلسطيني الخاص، معاني الفروسية التي تستبطنها ... نحن لا نتحدث عن قيام صلاح الدين الأيوبي بإرسال طبيبه الخاص لمعالجة ريتشارد قلب الأسد ... نحن نستحضر العبارة هنا في حضرة الموت، والميت في الغالب، جنرال إسرائيلي، تلطخت يداه بدماء الفلسطينيين والعرب، قيلت مرة في حضرة إسحاق رابين صاحب الصيحة العنصرية الفاشية: كسروا عظام أطفال الحجارة، وقيلت ثانية في حضرة أبو المشروع النووي الإسرائيلي، وأبو الاستيطان وجزار قانا وعناقيد الغضب ... عن أي سلام يتحدثون، وأية شجاعة في إطلاق مثل هذه الشعارات المضللة، وأين الشجاعة في “البكاء على صدر العدو”، مع الاعتذار من الصديق رشاد أبو شاور.
أن تكون نتيجة المفاضلة بين رابين ونتنياهو أو بين بيريز وبينت أو ليبرمان، لصالح “الشجاعين الراحلين”، فلا يعني ذلك أننا أمام أبطال سلام أو”شهداء لمشروع مغدور” ... كلا الرجلين ساهم في بناء كيان عنصري استيطاني توسعي عدواني، على أنقاض شعب فلسطين وحقوقه وأرضه وكرامته وإنسانيته، كل منهما سجل قصب السبق في القتل والتشريد والإحلال والاستيطان ... الفارق الوحيد بينهما وبين الترويكا الحاكمة الآن في إسرائيل، أنهما ارتديا في أرذل العمر، قفازات بيضاء قبل الشروع في ممارسة القتل والتشريد، فيما لا يتردد خلفاؤهم عن ممارسة القتل بأكف عارية.
آن الأوان للتخلي عن هذه التعبيرات المنافقة، فقد ملّ شعب فلسطين منها ومن مردديها، وهي عنده، مرادفة لوجبة جديدة من التنازلات المذلة، أو قنابل دخان للتغطية على طقوس الذل والدموع المذروفة على صدر الحبيب شمعون بيريز.
المقولة الثانية، تذهب في اتجاه آخر، ولكنها تنتهي إلى النتيجة ذاته ... من حيث الشكل، هي مدججة بالروح الكفاحية (عفواً الجهادية)، ولا تني تستعرض معاني “المعادلات الجديدة” و”الردع المتبادل” وربما “توازن الرعب” على الطريقة التي ميزت علاقات موسكو وواشنطن زمن الحرب الباردة ... لكن من يتأمل في المعنى الحقيقي المُعاش للعبارة، يدرك أنها تنطوي على قدر من التنازلات أكثر مما تعبر عن أقدار من المكتسبات والإنجازات.
ما الذي يعنيه توازن الردع بين حركة مقاومة وسلطات الاحتلال غير تعطيل الفعل المقاوم لسنوات وربما لعقود قادمة، تتغير خلالها حال البلاد والعباد، وتقضم معها الأرض والحقوق والمقدسات، وتفقد بواسطتها المقاومة ميزتها النسبية في إشغال العدو واستنزافه وقضم هيبته وتفوقه على نحو متدرج.
قد يقبل العدو بأن تقتطع المقاومة حيزاً من الأرض، معزولة ومحاصرة ومستلبة من كل شيء، ربما لأسباب تتعلق بضعف شهيته التوسعية حيالها أو لعوامل الجغرافيا والديموغرافيا ... ولكنه يقبل بذلك شريطة أن تحفظ المقاومة أمن الحدود، وان تلتزم بالعمل كحارس لها، تحت طائلة انهيار التهدئة والهدنة... هنا سيخرج علينا من يباهي بعجز العدو عن اقتحام “العرين” أو الدخول في “عش الدبابير”، من دون أن ينسى هؤلاء، أنهم وفورا للعدو “راحة البال” التي ينشد لسنوات قد تمتد لأعوام في حالة غزة، ولعقود في حالة لبنان حيث دخلت التهدئة عقدها الثاني.
تحت شعار “توازن الردع”، الذي لا يجرؤ أحد على مناقشته أو تحديه، تحت طائلة الابتزاز، يجري تعطيل المقاومة لسنوات وسنوات، ويحتفظ العدو بكامل قدرته وحيوته ... ربما بانتظار جولة ثانية من القتال، قد تأتي وقد لا تأتي ...وهنا يتساءل المرء، ايهما أفضل الاستمرار في مشاغلة العدو بعمليات مستمرة وإن متواضعة، أم الذهاب إلى خيار الحد الأقصى: “توازن الردع” ... ثم عن أي ردع يتحدثون، طالما أنه لا يمكن للمقاومة أن تطلق رصاصة أو تتعرض لدورية؟ وكيف لا يجري تفسير “الانسحابات أحادية الجانب” إلا من منظور واحد، يتعلق بالفعل المقاوم، وتُغفل بقية الجوانب الحاكمة لقرار العدو؟ ... ولماذا يختار هذا العدو الانسحاب أحادياً من رقعة ويستميت لإدامة احتلاله وتوسيع استيطانه في رقعة أخرى (القدس والضفة مثلاً)، برغم المقاومة، الضارية في أحيان كثيرة؟
لماذا لا يجري إقران “توازن الردع” بحاجة المقاومين للاندماج في سلطات بلدانهم، والانتقال من الخنادق إلى مقاعد الوزارة والبرلمان، وربما الانخراط في مشاريع وأجندات إقليمية، لا صلة لها بفلسفة المقاومة ولا أهدافها ولا بمبررات وجودها ... وبما يولد حاجة وجودية للاستمساك بنظرية “الردع المتبادل” على وهنها وتهافتها، والأهم والأخطر، تقديم كل ما يلزم لإدامة أثرها ومفاعليها، حتى ولو انتهى المقاومون إلى احتكار فعل المقاومة، توطئةً للتحول إلى “حرس حدود” من جديد، طالما أن مقتضيات السلطة والبقاء فيها، تستوجب إطالة أمد الاستقرار والأمن والهدوء.
لا السلام الذي يتحدثون عنه سلاما، والمؤكد أنه ليس من فعل الشجعان ... ولا “الردع المتبادل” بكاف لردع العدو عن المضي في أجنداته الاحتلالية والاستيطانية والتوسعية، بل ولم يعد كافياً لردعه عن التحرش بالمقاومة في معقلها، وقتل كوادرها وانتهاك “سيادتها” والدخول في عمق مجالها الحيوي، بدلالة سلسلة العدوانات التي لم تتوقف لا شمالاً ولا جنوباً ... ألسنا بحاجة لقليل من التواضع في استخدام هذه المقولات في سردياتنا السياسية، حتى لا نسأل: ألسنا بحاجة لمراجعة هذه المفاهيم والأوهام، وتسمية الأشياء بأسمائها الحقيقة، او أقله بأسماء أكثر تعبيراً عن حقائق الأمور؟

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن «سلام الشجعان» و«الردع المتبادل» عن «سلام الشجعان» و«الردع المتبادل»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon