عن اللاجئين الفلسطينيين  بلا مناسبة

عن اللاجئين الفلسطينيين ... بلا مناسبة

عن اللاجئين الفلسطينيين ... بلا مناسبة

 لبنان اليوم -

عن اللاجئين الفلسطينيين  بلا مناسبة

بقلم : عريب الرنتاوي

تحرص دول عربية عديدة على عدم منح جنسيتها للاجئين الفلسطينيين المقيمين على أرضها، عملاً بقرار قديم للجامعة العربية، اتُّخذ تحت عنوان “حفظ الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني” .... مؤخراً، ومع ارتفاع موجة حقوق الانسان، والنساء بخاصة، حرصت بعض الدول العربية على تبني قوانين تمكن النساء المتزوجات من غير مواطنيها من منح جنسيتها لأبنائها وبناتها... الفلسطينيون هذه المرة كذلك، كانوا الاستثناء، ودائما من موقع الحرص على “حق العودة” و”تعزيز الصمود” و”حفظ الهوية الوطنية الفلسطينية” في مواجهة رياح الاقتلاع والتبديد الصهيونية.

مع أن حكومات معظم هذه الدول، إن لم نقل جميعها، تعرف تمام المعرفة، أن ممارسة “حق العودة” دونه خرط القتاد، بل أن معظم هذه الحكومات، إن لم نقل جميعها، ومنذ اللحظة التي قررت فيها دخول مسار مدريد لعملية سلام الشرق الأوسط، أو المصادقة عليه وتأييده، كانت قبولاً متواطئاً بحلول تنتقص من “حق العودة”، بل ولا تلحظه ابتداءً ... ومع ذلك، لم يترتب على هذه القناعات الدفينة، والمواقف المتساهلة مع التسويات المنقوصة، أي تغيير في سياساتها القائمة على “الاستثناء”حيال اللاجئين المقيمين بين ظهرانيها.

والمقلق أن المواقف الرسمية للحكومات بدأت تتسلل إلى الأفراد والتيارات الشعبية ... كثيرون يحبون فلسطين والفلسطينيين، ولكن من غير اللاجئين على أرضهم... تراهم يتعلقون بغزة وصمودها والقدس وانتفاضتها والسجون وإضراباتها، ولكن عندما يتعلق بالفلسطينيين في بلدانهم، تبدو الصورة مغايرة تماماً، لكأن هؤلاء من جنس آخر، غير جنس الفلسطينيين المقيمين على أرضهم التاريخية.

التضييق على اللاجئين الفلسطينيين في وثائقهم ومعاشهم وفرصهم في الحصول على العمل والتعليم والصحة وبقية الخدمات التي يتمتع بها سائر خلق الله، الصالحين منهم والطالحين، غالباً ما كان يجري تبريره بنظرية “إبقاء الفلسطينيين في حالة تحفّز للعودة” وحفظ مخيماتهم خشية التوطين، ولإبقاء ذاكرتهم حيّة بما يمنع اندماجهم الكامل في المجتمعات المضيفة ... النتيجة الوحيدة التي ترتبت على هذه السياسات، لم تكن التوطين والاندماج ولا العودة وتقرير المصير، بل التهجير إلى المنافي البعيدة والبعيدة جداً، فلا منافي قريبة باتت ترحب بمقدم هؤلاء منذ زمن طويل.

لبنان قدّم الصورة الأبشع لتطبيقات هذه النظرية، فالقلق من التوطين و”فوبيا الفلسطيني” في لبنان، لم تساعد الفلسطيني على عبور “جسر العودة”، بل شحنته بالسفن والطائرات إلى كندا وأستراليا واسكندنافيا، حتى أنه لم يبق منهم سوى أقل من ربع مليون لاجئ، مع أن التقدير الدقيق لتطور أعداد اللاجئين وفقاً للزيادات الطبيعية في السكان، يفضي للقول بأن أعدادهم في لبنان، ما كان ينبغي أن تقل عن مليون لاجئ، والتقدير هنا منسوب لصديقي الباحث الفلسطيني الذي أحترم قراءاته وتقديراته الدقيقة، وأمتنع عن عدم ذكر اسمه لعدم استئذانه لنسبة هذه المعلومة إليه.

الصورة في دول أخرى، لم تكن أحسن حالاً ... فعندما اندلعت حرب الخليج الثانية (1990- 1991)، جرى تهجير أكثر من نصف مليون فلسطيني مقيم في عدد من دول الخليج، وعملاً بقاعدة “رب ضارة نافعة” جرى التخلص من عبء الديموغرافيا الفلسطينية بحجج وذرائع واهية، تخفي جميعها هاجس القلق من “التجنيس” و”التوطين” ... وما أن سقطت بغداد على يد القوات الأمريكية في العام 2003، حتى جرى التنكيل بأكثر من ثلاثين ألف فلسطيني على أيدي المليشيات المذهبية السائبة، ودائماً بتهمة الانحياز لصدام حسين، وهم الآن في فنزويلا والبرازيل ودول لاتينية عديدة ... قبلها كان العقيد معمر القذافي يلقي بالفلسطينيين في الصحراء على الحدود مع مصر، تاركاً أسراً بأكملها ولفترات طويلة نهباً للجوع والعطش وعقارب الصحراء ... يومها كانت حجته السخيفة أنه يريد تحدي أوسلو، واختبار قدرة الراحل ياسر عرفات على إعادة هؤلاء إلى بلداتهم... ومن يقرأ كتاب عروب العابد عن اللاجئين الفلسطينيين في مصر، يعرف تمام المعرفة، أن أرض الكنانة على اتساعها وكثافة سكانها، لطالما ضاقت ذرعاً باللاجئين الفلسطينيين على أرضها، رغم تواضع أعدادهم... أما في سوريا، ومع اندلاع الأزمة، فقد وجد الفلسطينيون أنفسهم “لا مع النظام بخير ولا مع المعارضة بخير”، ومخيمهم الأكبر في اليرموك، تحوّل أثراً بعد عين قبل أن تنتهي خرائبه في أيدي عصابات داعش والنصرة، وليدخل لاجئو هذا البلد، في رحلة شتات جديدة، إلى المنافي البعيدة، وأكاد أجزم بأن معظم إن لم أقل جميع من عرفتهم منهم، لم يعد مقيماً في سوريا منذ عدة سنوات.

بخلاف هذه الصورة القاتمة، يبدو الأردن واحة الاستقرار الوحيدة المتبقية للاجئين الفلسطينيين، على الرغم من كل السجال الساخن الذي ينشأ بين حين وآخر على خلفية المنابت والأصول، وكل الأحاديث عن حقوق أبناء غزة وأبناء الأردنيات ... هنا يمكن الجدل حيال بعض الممارسات والسياسات، ولكنها لا تقارن بحال من الأحوال بما شهدته التجمعات الفلسطينية الأخرى، أقله لم تسجل عمليات تهجير أو تسفير جماعية كتلك التي لم تخل منها ساحة واحدة من ساحات الانتشار الفلسطيني.

المصدر : صحيفة الدستور

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن اللاجئين الفلسطينيين  بلا مناسبة عن اللاجئين الفلسطينيين  بلا مناسبة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon