قانون الانتخاب إذ يكشف عوراتنا

قانون الانتخاب إذ يكشف عوراتنا

قانون الانتخاب إذ يكشف عوراتنا

 لبنان اليوم -

قانون الانتخاب إذ يكشف عوراتنا

بقلم : عريب الرنتاوي

يشكو المواطنون والنخب السياسية على حد سواء من قانون الانتخاب، بوصفه عصياً على الفهم والإدراك والتمثّل ... حيثما تحل وترتحل، يفاجئك من تلتقيه بسؤال عن القانون، أو بالأحرى بطوفان من الأسئلة والتساؤلات حول جوانب مختلفة من القانون، وها نحن نقترب من موعد التقدم بطلبات الترشيح، فيما الكثرة الكاثرة من المرشحين، تعجز عن تشكيل قوائمها الانتخابية ... تشكيل هذه القوائم، بات معضلة كؤود لكل من انتوى الترشح للبرلمان الثامن عشر.

أين تكمن المشكلة الحقيقية؟ ... هل القانون عصي على الفهم والتمثّل إلى هذا الحد؟ ... هل المشكلة في القانون أم “النخبة السياسية” التي يبدو أنها تآكلت وضمرت خلال السنوات العشرين أو الثلاثين الفائتة؟ ... هل المشكلة في القانون، أم في المواطن، الذي تآكلت ثقته بـ “العملية السياسية” والانتخابات والمجالس النيابية والكيانات الحزبية، دع عنك الحكومات المتعاقبة، فتلكم حكاية أخرى؟

لماذا تجد معظم الأحزاب السياسية مشكلة في تشكيل قوائمها، بينما ينجح الإخوان المسلمون من دون مشقة، في تشكيل “فيض” من القوائم والقوائم الصديقة والشقيقة؟ ... لماذا تقف شخصيات وطنية و”بيروقراطية” وعشائرية وازنة، عاجزة أمام تحدي تشكيل القوائم؟ ... لماذا نقف مترددين بلا حول أو حيلة، أمام لغز الألغاز، فلا نضع أصبعنا على السبب الحقيقي لأزمتنا، ونبدأ بإطلاق النار رشاً ودراكاً على القانون ومن جاء به؟

لست من المعجبين بالقانون، ولقد عبرت عن ذلك في كل ما كتبت وقلت من على مختلف المنابر ... وفي أكثر التعبيرات الإيجابية حوله، قلنا إنه خطوة صغيرة للأمام قياساً بـ “قانون الصوت الواحد” سيء الذكر والسمعة ... ولقد طالبت من موقعي على رأس مؤسسة للأبحاث، بإجراء تعديلات جوهرية على القانون، من شأنها تحسينه وتصويب نتائجه، ولكن جرياً على مألوف العادة الأردنية: “لا حياة لمن تنادي”.

لكن جوهر المشكلة التي تتعلق بتشكيل القوائم على نحو خاص، لا تعود للقانون حصراً، بل ولا تعود إليه أساساً، وإنما تنبع من “ضعف وتآكل الطبقة السياسية” في بلادنا، وهو ضعف لعب قانون “الصوت الواحد” دوراً حاسماً في تكريسه وتجذيره... وسيتعين علينا أن ندفع لسنوات عديدة قادمة، ثمن “مأسسة الخواء” الذي لحق بالطبقة السياسية جراء ربع قرن من اعتماد “كيانات ما قبل الدولة” كقنوات حصرية للمشاركة والتمثيل والذود عن الحقوق والدفاع عمّا يعتقد أنه مكتسبات، من المقعد الدراسي إلى الوظيفة الحكومية.

قانون الصوت الواحد، خدم إلى حد كبير، الشخصيات المحمّلة بطموحاتها الشخصية، إذ كان يكفي أن تتزود ببعض المال وبعض الدعم العشائري والحمائلي والجهوي، حتى تبلغ مرادك ... بحسابات القوائم، وإن كانت على مستوى المحافظة/ الدائرة، صار يتعين عليك أن تختار شركاء لك لخوض غمار الاستحقاق النيابي، والشراكة إما أن تبنى على مصالح شخصية وانتهازية، أو أن تتأسس على رؤى وبرامج وطنية ... وفي كلتا الحالتين، بدا أن القانون الجديد، يقف عقبة أمام هذا النوع من المرشحين/ النواب، ولكل فئة منهما أسبابها الخاصة.

من ذا الذي سيخوض غمار المشاركة ويتكبد عناءها ويتحمل تكاليفها، إن كانت وظيفته تقتصر على دعم المرشح الأوفر حظاً في القائمة، وكيف يمكن لمجموعة من الأحزاب، بالكاد أمكن لها جمع العدد المطلوب من المؤسسين أن تنتظم في قوائم وائتلافات ذات مغزى، طالما أن أكثرية القوائم الانتخابية لن تحظى بأكثر من مقعد واحد، وفق مقتضيات القانون وآليات احتساب القوائم الفائزة؟

تاريخياً، كانت الدولة والنقابات والأحزاب، هي “الماكينات العملاقة” لتفريخ النخب السياسية وتجديدها، ومع “تجريف الحياة السياسية في البلاد، إن بفعل سنوات الأحكام العرفية المديدة، أو كنتيجة لربع قرن من تطبيقات “الصوت الواحد للناخب الواحد”، بدا أن قدرة هذه الماكينات على الإنتاج، قد تعطلت أو تراجعت، وبات “منتوجها” محمّلاً بكل ما يختزنه المواطن من شكوك وانعدام ثقة و”اتهامية” للعاملين في الحقل العام، وشجع قانون الصوت الواحد المواطن على “اختزال” تطلعاته، والاكتفاء بالبحث عن نائب يسير في الجاهات والعطوات، ويتنقل برشاقة بين دوائر الدولة ووزاراتها، لتعيين هذا أو نقل وترفيع ذاك.

في المقابل، لم تجد جماعة دينية – سياسية منظمة، ما يمنعها من الاستفادة من الآليات التي أتاحها القانون، لتقديم النخب التي أنتجتها، سواء عبر مؤسسات العمل الحزبي والسياسي، أو من خلال المؤسسات الدعوية والاجتماعية والتعليمية، وبانفتاح قليل على شخصيات ومكونات من خارجها، أمكن لها بكل يسر وسهولة، تشكيل قوائم في مختلف الدوائر التي قررت المنافسة فيها وعليها، وأحياناً أكثر من قائمة في الدائرة الانتخابية أو المحافظة الواحدة ... نجاح الإخوان في تشكيل قوائهم الانتخابية، ينهض كشاهد حي وملموس على أن المشكلة ليست في القانون، على عجره وبجره، بل في الطبقة السياسية المجوّفة والمجرّفة التي تهيمن على المشهد الوطني... كل ما فعله القانون، أنه كشف عوراتنا.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قانون الانتخاب إذ يكشف عوراتنا قانون الانتخاب إذ يكشف عوراتنا



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon