بقلم: عريب الرنتاوي
في الأيام الأخيرة للعام 2018، قام الرئيس السوداني المخلوع عمر حسن البشير، بزيارة مفاجئة إلى دمشق، هي الأولى لرئيس دولة عربية منذ اندلاع الأزمة السورية في العام 2011. يومها تكاثرت التكهنات بشأن الهدف من الزيارة، وما إن كانت دوافعها سودانية محضة، أم أن البشير كان مبعوثاً من عدد من الدول العربية، في زيارة استطلاعية للعاصمة السورية.
أمس، أُعلن في دمشق، عن افتتاح السفارة الليبية فيها، سفارة بنغازي/ حفتر، بعد محادثات على مستوى رفيع، أفضت إلى قرار باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتعزيزها في مختلف المجالات والميادين، لمجابهة «العدو التركي المشترك». الخطوة الليبية الأخيرة، يُنظر إليها اليوم بوصفها توطئة لخطوات مماثلة تتخذها دول أخرى والتي تتقاطع جميعها حول الحاجة لمواجهة التمدد التركي في المنطقة، تحديداً في سورية وليبيا والبحرين الأبيض والأحمر والخليج.
البشير وصل إلى دمشق في حينه على متن طائرة روسية، لتفادي ذراع المحكمة الجنائية الدولية الطويلة، وفي إشارة لا تخطئها العين، على الدعم الروسي الوثيق للخطوة السودانية. اليوم، يمكن الافتراض أن الخطوة الليبية تلقى ترحيباً روسياً أكيداً، إذ ليس سراً أن موسكو هي حليف دولي كبير للجنرال حفتر، وثمة تقارير عن مشاركة مجموعة «فاغنر» الروسية في القتال إلى جانبه.
يمكن الافتراض أن عواصم عربية عديدة، باتت تخشى توسع الدور التركي في المنطقة، وعلى امتداد الشواطئ الشرقية والجنوبية للبحر المتوسط . لكننا لا نرى أي جهد حقيقي لمواجهة هذا الدور، أقله لجهة استعادة العلاقات الدبلوماسية وتبادل الزيارات متعددة المستويات مع دمشق، في العلن وليس في السر، حتى لا نقول دعم النظام والجيش السوريين في مواجهة الاجتياح التركي المتكرر للشمال السوري، ومحاولات أنقرة تحويل شمال سورية إلى صورة طبق الأصل عن شمال قبرص.
العرب حائرون فيما يخص عودة سورية إلى الجامعة العربية، صحيح أن مثل هذه الخطوة لن تقدم ولن تؤخر حين يجري احتساب موازين القوى على الأرض بين أنقرة ودمشق، بيد أنها خطوة رمزية، محمّلة بالرسائل السياسية والمعنوية، آن أوان اتخاذها لمواجهة العربدة التركية في السماء وفوق الأرض السورية.
ثمة مصادر تحدثت عن اتصالات ذات طبيعة أمنية نشطة، مركزها القاهرة، وتضم عواصم عربية عديدة للنظر في هذا الموضوع، تحديداً لجهة كيفية التصرف حيال «التغوّل التركي» العابر للحدود والبحار ... على أهمية البعد الأمني في هذا الملف، إلا أن ثمة حاجة لقرار سياسي – إستراتيجي ثقيل، بإنقاذ سورية، قبل أن تلتحق إدلب وعفرين وجرابلس والباب بلواء الإسكندرون، ويفرض «السلطان» مشروعه التقسيمي لسورية، ويمضي بعيداً في «هندساته الديموغرافية» في الشمال السوري، حيث تجري أوسع عملية تطهير عرقي في المنطقة، باعتراف موسكو هذه المرة، وبعد أن أحرجتها مواقف الحليف التركي المتقلب والانتهازي.
ثمة فرصة للانتقال بالموقف العربي خطوة للأمام، توفرها الرئاسة الجزائرية للقمة العربية المقبلة، والتي تقول المصادر: إنها رفضت استضافة قمة عربية أخرى من دون مشاركة سورية، كما يُقال أيضاً: إن إرجاء القمة من آذار الحالي إلى حزيران المقبل، لم يكن بفعل «الكورونا» بل لإعطاء فرصة لحسم هذا الملف، فهل تشهد الأشهر الثلاث المقبلة، تطوراً من هذا النوع؟